للمستقلة رأي

حتى لا يرفع المثقفون الراية البيضاء

مع تناسل الأحداث وسيطرة الفكر التكفيري والتخويني على امتداد جغرافية الوطن العربي، وغياب من يواجه هذا الفكر، الذي إذا انتصر سيكون من الآن البدء في تهيئ مراسم دفن الفكر الحداثي والتنويري والإنساني العربي، الذي سيمنحنا شرعية الانتماء إلى هذه الألفية الثالثة .. ولعل الأدباء وكتاب القصة ورواد المسرح والموسيقى والسينما أصبحوا يستشعرون خطورة الفترة، وما يحاك فيها ضد ما تراكم لدينا كعرب من بصمات في هذه التخصصات الثقافية، وغيرها من مجالات الإبداع المعرفي والعلمي والفلسفي، التي تواجه اليوم معاول هذا التيار الظلامي، الذي يوظف الإسلاموفوبيا لقطع الطريق أمامنا كعرب، في أفق استكمال سياسة الاحتواء والوصاية على ما تبقى من أسباب انخراطنا في الحضارة الإنسانية المعاصرة، وفرض ثقافتهم الماضوية المستبدة والأحادية الرؤيا للإنسان والمجتمع ولتاريخ الدولة والاقتصاد والثقافة.
إذن، حتى لا يرفع مثقفونا العرب الراية البيضاء أمام هؤلاء التتار الجدد ..! وحتى لا يجد هؤلاء المثقفون أنفسهم أمام هؤلاء الذين يكرهون الحضارة والحرية والإبداع والديمقراطية والعلم والفن والفكر، يجب أن يعلن هؤلاء المثقفين العرب ما يجب أن تكون عليه المقاومة والتحدي اتجاه هذه الردة الحضارية، التي يدفع بها هؤلاء الذين يبحثون عن القطيعة مع العالم المعاصر، الذي أصبحت شرعية الحضور فيه لمن يملك القدرة التي تؤهله على انتزاع الاحترام، عبر النجاح في الاشتغال على قيمه وأدواته ومناهجه التي يتم بواسطتها تحقيق التنمية والديمقراطية والعدالة والحكامة، التي تقوم عليها الدولة الحديثة العصرية والمدنية، التي يرفضها التكفيريون والسلفيون الجهاديون، مقابل تكريس نظام الخلافة الإسلامية لبداية التاريخ الإسلامي السياسي، بدعوى فساد الديمقراطية العربية وعلمانيتها الطبقية، مقابل الشورى التي يمارسها رجال العقد والحل من العلماء والدعاة في حكم الخلافة الإسلامية، التي لم تستقر في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، والتي تحولت إلى الخلافة الوراثية في عهد الأمويين والعباسيين والعثمانيين فيما بعد.
في مناخ هذه الدولة التوقراطية يراد للمثقفين العرب أن يقوموا بدورهم الطلائعي والتنويري، والذي عجزوا على فرضه طيلة تولي نخبهم الحزبية الحكم في الدول العربية بعد الاستقلال في الألفية الثانية، والذي تخلوا عن الدعاية له في فترة الربيع العربي، الذي خرجت فيه الجماهير مطالبة بالقضاء على الفساد والاستبداد، الذي التقطته هذه الحركات الماضوية الإرهابية التي تريد العودة بنا إلى عهود الانحطاط والفتن الداخلية القبلية والطائفية، التي تسهل على خصومنا اليوم فرض المزيد من القيود على محاولاتنا الفردية والجماعية، لتجاوز هذه الفترة العصيبة من تاريخنا العربي المعاصر .. ولتكن الراية التي يجب أن ترفع ليس بالإسلاموفوبيا التي تخيف الآخرين منا، بل بمقاصد الإسلام الثورية والتحررية والحضارية، التي كانت وراء تطورنا الحضاري التاريخي، وهذه مسؤولية مثقفينا العرب في جميع التخصصات التي يمتلكون فيها القدرة والمعرفة والخبرة، التي تؤمن انطلاقتنا في مجتمع المعرفة والعلم والتقنية المتقدمة، وإلا سنكون جميعا بما فينا هذه النخبة المتنورة صيدا سهلا لهؤلاء البرابرة، الذين يرفعون راية لا إله إلا اللـه وأن محمدا رسول اللـه، عوض أن تكون هذه الراية الإسلامية التاريخية من خلال مشروع حضاري عصري وحداثي، يناسب ثقافة هذه الفترة ويسمح للعرب بالانخراط في الحضارة المعاصرة، لا كدعاة للإرهاب والتخلف والجمود والانكماش، وإنما كدعاة للسلم والتعاون والإخاء الذي ينص عليه الإسلام كدين للحرية والتقدم والسلام ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق