ملفات و قضايا

المشاركة السياسية للنساء في المغرب بين شرعية المطالب وتواضع الإنجازات

ليس هنا في المجتمع المغربي من سيعارض ارتقاء مشاركة المرأة وإبراز مؤهلاتها في جميع المجالات بما فيها صناعة القرار، لكن هذا الطموح يرتبط بتفعيله بمدى الاستجابة المجتمعية والممارسة النسائية الإرادية، فإلى أي درجة يكتسب مطلب المناصفة شرعيته في المؤسسات المجتمعية، وفي أجندة الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني المعنية بتأطير المجتمع و تأهيله لوظائفه في المؤسسات الإنتاجية والتدبيرية والدستورية ..؟.
لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ضد جميع الخطوات والمبادرات التي تستهدف الارتقاء بوظائف المرأة في المجتمع، ما دمنا نترجم ذلك في تنظيماتنا على جميع المستويات، ونتجنب ممارسة التمييز ضد المرأة في حياتنا النقابية الداخلية، ونتطلع إلى أن تكون هناك تنافسية بين جميع مكونات المشهد الحزبي والنقابي والمدني حولها، في اتجاه أن تشعر المرأة بدورها الطبيعي في إغناء الثقافة الحقوقية الإنسانية وتكريسها، ولا يخامرنا الشك في أن جميع الفاعلين مقتنعين بوجاهة المشاركة الفعالة للمرأة في جميع المجالات على قدم المساواة مع الرجل الذي لا تقل عنه كفاءة ومقدرة ومعرفة.
إن ما يحفزنا على هذه المقدمة، هو متابعتنا لندوة “الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة” في الدار البيضاء بمشاركة المعهد العربي لحقوق الإنسان في موضوع: “المناصفة في أجندة الأحزاب السياسية” حيث اتجهت جميع المداخلات نحو الإقرار بأن الأحزاب السياسية في معظمها لم يكن تعاطيها مع الفصل 19 في الدستور الجديد بنفس القوة والحمولة التي جاء بها، حيث لم يتم تفعيل ذلك في الكثير منها إلى الآن، وحتى التي قامت به فإن ذلك لم يستهدف الفعاليات النسائية النشيطة، وانحصر في المقربات من الأجهزة القيادية فقط، وأن إنشاء لجنة المناصفة وتكافؤ الفرص لم تتجاوز المحيط العائلي للقيادات الحزبية .. وبالتالي، أن تقوية المشاركة في الأجهزة الحزبية المعنية بصناعة القرار لا يزال ذيليا حتى الآن .. إن المعركة النسائية لا يزال ينتظرها نضال شاق، حيت تصبح ترجمة المكتسبات الدستورية حقيقية، وليس ضمن المطالب المعلقة والموسمية.
من جهة أخرى، لم تتمكن الفعاليات المشاركة في الندوة من تشخيص الواقع النسائي، الذي بموجبه لم تتم تلبية المطالب الدستورية وتفعيل جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي وافق عليها الوطن، وكان بإمكان المسؤولات عن الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، الاشتغال عليها من خلال محور خاص في الندوة، باعتباره المدخل الذي سيسمح للمشاركات بتلمس كل الجوانب التي تمنع النساء من ولوج الحياة السياسية والنقابية من أبوابها، بدون توجيه من الأطراف التي تبحث عن تلميع وجودها على حساب التطلعات المشروعة النسائية في كل مجالات الحياة المجتمعية، وبإرادتها التلقائية والواعية بالإكراهات والفرامل التي تواجهها.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نستحضر الوجود السياسي القوي للنساء من خلال مشاركتهن العالية في الاستحقاقات الانتخابية، تبعا لانخراطهن الواضح في اللوائح الانتخابية الذي يطابق حقهن الطبيعي في المؤسسات، التي لا يزال حضورهن فيها مجرد ديكوري وبواسطة الكوطا، وإذ نعتبر مجهود الأحزاب في الرفع من مستوى حضورهن، و أن تحقيق ذلك يجب أن يبدأ من مراجعة الثقافة الحزبية، ووضع مطلب المناصفة ضمن أولوياتها وبرامجها النضالية.
من دون شك، أن المجتمع المدني في شخص المنظمات النسائية، التي تتحرك حول مسألة المناصفة هي القادرة على ممارسة الضغط على قيادات الأحزاب على اختلاف مرجعياتها، سواء مع قواعدها أو الفئات النسائية المعنية، ويجب أن تكون مشاركتها في تكريس المناصفة وتأطير المجتمع على الالتزام بها في الاستحقاقات القادمة، كما أن القطاعات أو الدوائر النسائية في الأحزاب والنقابات معنية بهذه التعبئة في أفق الارتقاء بالمشاركة السياسية النسائية، التي يجب أن تفعل حضورها برفع وعيها واطلاعها المباشر على آليات وتدابير وإجراءات الممارسة السياسية والنقابية، مما يمكنها من ترجمة المناصفة العقلية في المؤسسات المنتخبة المعنية بالتشريع، وصناعة القرار في الوطن، وفي غيرها من المؤسسات الإنتاجية والتدبيرية، التي يجب أن يكون فيها هذا الحضور النسائي الفاعل والوازن، ويبقى على النساء الممثلات حاليا في المؤسسات أن تدفعن بهذا النقاش المجتمعي حول المناصفة، وتوسيع المشاركة النسائية في مناقشته في جميع القطاعات والجهات والفئات، والرهان على الصمود والتعبئة حتى تكون هذه المناصفة حقيقة وواقعية، وليس ضمن الشعارات التي يتم ترويجها لخدمة مصالح الجهات والأطراف المستفيدة من ضعف المشاركة النسائية حتى الآن .. وسنكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، مع أي مبادرة في هذا الاتجاه الهادف إلى إشراك كل الفئات الاجتماعية في معركة الديمقراطية والتنمية، نظرا لإيماننا بأن لا ديمقراطية حقيقية بدون مشاركة مجتمعية حقيقية، وهذا ما يفرض على النساء الانخراط القوي في معركة المناصفة عن طريق تقوية منظورهن لهذه الأخيرة عبر اطلاعهن على المعطيات التي تحول دون تفعيل مبدأ المناصفة في أجندة الأحزاب السياسية، ومنها الواقع التنظيمي لهذه الأحزاب وبرامجها الانتخابية، ومدونتها التنظيمية، ومستوى الأداء الحزبي وملامح الثقافة الحزبية وطبيعة مشاركة القطاع النسائي في الحياة الحزبية الداخلية .. لذلك، نعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن المنظمات النسائية على اختلاف توجهاتها مطالبة بنقاش مجتمعي حقيقي حول القضية النسائية في كل جوانبها القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والنزول إلى الفئات النسائية الأكثر بؤسا وتهميشا ومعاناة في المجتمع، وجعل ورش التحديث والتنوير الدائم من البرامج القارة في أنشطة هذه المنظمات النسائية، وخلق جسور التعاون بين هذه المنظمات السياسية والنقابية والمدنية، فيما يخدم هذه القضية النسائية بالأساس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق