أخبارملفات و قضايا

حكومة العثماني والرهان على مواجهة إكراهات المرحلة بالنهج الليبرالي المتوحش

SAAD EDDINE

ليس في هوية التوجه التنموي للحكومة السابقة والجديدة في ما يفصلهما عن مقومات النهج الليبرالي المتوحش الذي وجدت فيه الحكومات التي لا تحظى بثقة شعوبها مخرجا لأزماتها وحماية وجودها، وهذا ما نجده مترجما نفسه في محاور الرؤيا التنموية التي بسطها ، أمام البرلمان بغرفتيه، حيث يصعب فصل توجهات هذا الاختيار التنموي في أبسط أبجديات النهج الليبرالي المتوحش المنتج للفقر والتخلف، عوض الغنى والتقدم، وهذا ما يصدمنا في مسودة التصريح الذي أريد له أن يكون معبرا عن البرنامج الحكومي الجديد، رغم محاولات رئيس الحكومة ومن يمثله في أغلبيته نسج الصورة الحالمة عن هذا التوجه الاقتصادي الذي أصبح الملاذ الأخير للحكومات التي تريد أن تخرج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.

من المؤكد، أن العثماني يدرك أولوية الواقعية التي يجب أن يدير بها التحالف الحكومي الذي تهيمن عليه الأحزاب المؤمنة بالاختيار الليبرالي حتى النخاع، بما فيها حزبه الذي يعتبر من التلاميذ الأكثر تمسكا بالطاعة والولاء لمراكز الهيمنة الليبرالية العالمية وللاقتصاد الحر، الذي يشكل المرجعية والقاعدة لهذا التوجه الليبرالي في صيغته المتوحشة المطبقة على شعوب الدول النامية، أو العالم ثالثية، ولن يكون له الحظ في ترجمة شعارات العدالة والكرامة والشفافية والحكامة في صياغة سياسات حكومته العمومية حتى لا يتناقض وتوجيهات وتوصيات ونصائح المؤسسات المالية الموجهة والحاضنة لهذا النهج الليبرالي المتوحش، إلى جانب أنه سيحاول الاجتهاد في تطبيق القوانين وقواعد العمل التي تفرضها أسماك القرش المتحكمة في الاقتصاد العالمي الذي تتحكم فيه اليوم رأسمالية السوق الحرة.

لم تشفع المرونة السياسية والتعاطي الإيجابي مع الأحزاب لتشكيل الحكومة للعثماني في احترام المعارضة ضد تصريح حكومته، الذي لم يخرج عن النموذج الذي باشر به سلفه ابن كيران تدبير الحكومة السابقة في نسختيها الأولى والثانية، فالمحاور الخمسة التي جاء بها التصريح الحكومي حافظت على النمطية والإثارة اللغوية والعمومية في عرض مضامينها، حيث لم توضح طبيعة مواصلة الإصلاح الدستوري لإقامة دولة الحق والقانون والتبشير بالاستمرار في سياسة تحرير الاقتصاد، تبعا لتوجهات المؤسسات المالية الدولية ومعالجة الهشاشة بضخ الدعم في جيوب الفقراء ومحاربة الفساد لتحقيق المساواة في توزيع الثروة والحكامة والترشيد في الإنفاق العمومي والشفافية، وبرمجة المشاريع وفق مشروع الإصلاحات الكبرى، شكلت جميعها وعودا في برنامج الحزب الذي يقود الحكومة فقط، دون أن يكون ذلك مصحوبا بجدولة وكشف يحدد كيفية الإنجاز، سواء على المستوى القطاعي أو الشمولي.

جاءت مجمل المداخلات في مجلس المستشارين، كما في مجلس النواب، معبرة عن الغضب الحزبي المنتقم من رئيس الحكومة لقبوله بتقديم التنازلات التي رفضها الأمين العام للحزب ابن كيران، وإما لضرب حزب العدالة والتنمية وإبراز انحرافه عن التوجه الذي كان يعبر عنه قبل القبول بالتشكيل الحكومي، أو بمجرد تشويه ما عبر عنه التصريح الحكومي في حزمة أهدافه ومشاريعه الكبرى، مما يعني أن هذه المناقشة البرلمانية الباهتة من المعارضة أو الأغلبية المنقسمة على ذاتها مجرد عرض مسرحي فلكلوري للإعلان عن الاستمرارية في ظل الاختيارات التي نهجتها الحكومة السابقة بموافقة ومباركة من الجهات الدولية المتدخلة لفك أزمات الحكومة المالية كل سنة، حتى أوصلتها إلى فاتورة المديونية التي لن ينجو منها الأحفاد قبل الأولاد ذكورا وإناثا.

رغم شجاعة الدكتور سعد الدين العثماني في الإفصاح عن الهرولة والخضوع للمؤسسات المالية الدولية في صياغة البرنامج الحكومي الذي يستهدف القضاء على ما تبقى من الحوافز، التي تحول دون الانخراط الفعلي الحقيقي في اقتصاد السوق الذي توجهه مبادئ النهج الليبرلي المتوحش، والتعبير عن الاستمرار في استعمال الإصلاحات التي تتناقض وتطبيق تعليمات المؤسسات المالية الدولية في تخفيض الضرائب على الاستثمارات، وتقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية وتعميق الفجوة الطبقية بين الأقلية الميسورة والأغلبية المسحوقة، بما فيها الطبقة الوسطى، كل ذلك لنيل حسن السيرة من مراكز الهيمنة الرأسمالية العالمية المناهضة لتدخل الدولة، وتوجيه الميزانية نحو ترسيخ العدالة والمساواة في المجتمع، انسجاما مع قيم ومبادئ الرأسمال المعولم الذي يحكم اليوم آخر ما تبقى من دفاعات لدى القوى الاقتصادية المناهضة والمتمردة ضده.

نخلص إلى أن البرنامج الحكومي للتحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية لن يكون مغايرا لبرنامج حكومته في عهد ابن كيران، وأن الفرق بينهما هو أن الأحزاب المتحالفة في الحكومة الائتلافية تمتلك القدرة على الاعتراض، وفرض القرارات التي تتناسب واستقلاليتها الحزبية وبرامجها الانتخابية المغايرة لبرنامج الحزب الفائز بصدارة الانتخابات في 07 اكتوبر 2016، إلى جانب لجم رئيس الحكومة عن الانفراد بالقرارات والمواقف التي تتعارض معها (الأحزاب) ومنعه من الشعور بالقوة وسط أغلبية مريحة وسلوبة الإرادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق