كلمة النقابة

بين خطاب الأغلبية الاقتصادي الحالم واستمرار اختلالات الأزمة الملموسة

في الوقت الذي يلمس فيه المواطنون إكراهات الأزمة الاقتصادية لايزال أقطاب الأغلبية يتحدثون عن منجزات البرنامج الاقتصادي الذي نفذته الحكومة في ولايتها الحالية، والأخطر أن يتحدثوا وبدون شعور بخيبة الأمل عن العجز عن تحقيق الرفاهية الاستهلاكية والتوازنات المالية، التي لا أثر لها في ظل اختلالات الأزمة الاقتصادية، التي يدفع ثمنها فقراء الوطن، الذين لم تتغير أوضاعهم بالوصفات العلاجية التي نفذتها الحكومة بدعم من أغلبيتها في تحالفها الهش.

إن ما نجحت فيه الحكومة وأغلبيتها هو الاستقرار في تحمل المسؤولية، وتنفيذ القرارات التي عمقت جوانب الأزمة التي كشفت عنها تقارير المنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية ذات الصلة، ومع كل محاولات رئيس الحكومة لتبرئة الذمة في تحمل نتائج الأزمة التي لم يدفع في تجاوزها التوغل في اقتصاد السوق، وفرض تدابيره التنظيمية والقانونية الغير ملائمة لنمط الإنتاج والاستثمار والاستهلاك السائد، وحرص الحكومة على نهج سياسة إطفاء الحريق لمواجهة غضب المعارضة والاحتجاجات الاجتماعية، وإلى الآن، يحاول إقناع أغلبيته والرأي العام الوطني بصواب توجهه الاقتصادي الذي تدل مؤشراته السلبية عن عمق شلل مضمون هذا الاختيار الاقتصادي الذي تخلت عنه حتى الدول التي ولد فيها في الغرب الرأسمالي والليبرالي، بعد اندلاع الأزمة المالية في أرقى دوله الكبرى التي عالجتها بالسياسة المضادة لفلسفة الاقتصاد الحر من أجل إنقاذ اقتصادياتها من الانهيار والإفلاس.

حينما نقول في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن خطاب الأغلبية الحكومية الحالم لم يعالج اختلالات الأزمة الاقتصادية، فمن دون شك أن منظري هذه الأغلبية يعلمون ما تقتضيه هذه الاختلالات الملموسة في مستوى معيشه، وفي الإجراءات المتخذة لمواجهة ارتفاع أسعار السوق الاستهلاكية الداخلية التي تبخرت فيها القوة الشرائية للسواد الأعظم من المواطنين، وفي تقليص الفوارق الطبقية والجهوية التي عجلت بإفلاس مقاومة الطبقة الوسطى لمساوئ هذه السياسة التحريرية لأسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، ناهيك عن تفشي الأرقام الفلكية عن حجم الموازنة وارتفاع المديونية الداخلية والخارجية.

نحن متأكدون من حسن نوايا الأغلبية الحكومية الحالية، وصدق تطلعاتها في إنجاز ما عجزت عنه الحكومات السابقة، لكن حسن النوايا وصدق التطلعات تحتاج ما يترجمها على أرض الواقع، وإلى شعور الفئات الاجتماعية المتضررة من اختلالات الأزمة البنيوية بالرضى من السياسة الاقتصادية التي تنفذها الحكومة، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن من عمر ولاية الحكومة التي تقترب من نهايتها، حيث يواصل الوزراء المعنيون بالاقتصاد والتجارة والحكامة تنفيذ سياساتهم التي لا تحظى بإجماع باقي التحالف الحكومي، فبالأحرى من المعارضة والأطراف المعنية من خارجها التي لا ترى أي أمل من الاستمرار فيها، ولا أي انفراج، ويتضح أن الحكومة راضية على حسن السيرة اتجاه من يملي عليها هذه التدابير الاقتصادية، التي تواصل تطبيقها دون مراعاة لنتائجها السلبية حتى وإن اعتقد رئيس الحكومة أنها حققت الثمار المتوقعة منها، التي جاءت بفضل تحسن الاقتصاد الفلاحي الذي غطت نتائجه على ما يعانيه الاقتصاد من الاختلالات في الإنتاج والاستثمار والشغل والتسويق، ناهيك عن تراجع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، وتقلص ضغط صندوق المقاصة، ولا يتوقع أن تكون هناك مفاجئات في الفترة المتبقية بالنظر إلى عدم ملاءمة وفعالية السياسة الاقتصادية للحكومة.

ما نختم به تناولنا للخطاب الاقتصادي الحالم للحكومة هو أن هذه الأخيرة لم تكن تمتلك في برنامج عملها، سواء في النسخة الأولى أو الثانية ما يؤهلها لاحتواء مضاعفات الأزمة التي تفاقمت آثارها السلبية، التي لا يمكن احتواؤها بدون الاعتراف بثقل إكراهاتها ومراجعة القرارات والتدابير التي اتخذت في سبيل تجاوزها .. ونعتقد في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن الرؤيا التخوينية والتشكيكية لرئيس الحكومة ضد من يعارضون السياسة الحكومية لا تليق بموقعه على رأس التحالف الحكومي، ولا بموقعه على رأس أمانة حزبه الذي لا شك أنه غير راض عن الأداء الاقتصادي للحكومة التي يقودها، ناهيك عن إغلاق أبواب الحوار المجتمعي للاستفادة من الاجتهادات والخبرات الوطنية التي يمكن أن تساعد هذه الحكومة على معالجة الأزمة التي لا يعترف رئيس الحكومة بوجودها، ويؤكد دائما أنها من صنع التماسيح والثعابين المعارضين لحكومته، مما يدل على أنه فقد الحلم والهدوء الذي يجب أن يكون عليه في علاقته مع أنصاره وخصومه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق