كلمة النقابة

السادة المفكرون العباقرة لا تلومون المرآة إن كانت وجوهكم قبيحة … !

في السنوات الأخيرة، كثر الكلام في بلادنا عن البطالة، واشتد الجدل حول سبل مكافحتها والتخفيف من حدتها، ودارت المناقشات هنا وهناك، حيث حاول الكثير من المجتهدين تقديم النصح للمسؤولين قصد مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، خصوصا بعد أن تفشت في صفوف نخبة وأطر بدرجة الدكتوراه، ولقد أخذ النصح في هذا المجال أكثر من صورة .. فتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية ورفع الحواجز الجمركية .. تقديم الدعم للمقاولات الصغرى والمتوسطة .. التخفيف من عبء الضرائب المفروضة على القطاع الخاص .. وتبقى صورة غريبة لا تنفتأ بعض العقول تروج لها وتطبل، مفادها اللجوء إلى الدول الغربية، وخصوصا “فرنسا” لمحاربة ظاهرة البطالة ..! وقال مؤخرا بعض المفكرين العباقرة خلال بعض الجلسات “… على فرنسا أن تقوم بواجبها في حل مشكل البطالة باعتبارها الدولة المسؤولة عما آل إليه الوضع الاجتماعي بالمغرب .. لإن النهضة بالمغرب تتحمل مسؤوليتها دولة الاحتلال سابقا” ..! ( اللـه أكبر أسيدنا الفاهمين )”.

نعم  .. لا يمكن لأحد أن ينفي دور الاستعمار في تردي الوضع العام، فتلك حقيقة ليست موضع نقاش أو جدال، لكن تحميل الاستعمار مسؤولية التنمية ببلادنا فذاك هو عين السخرية والاستهتار .. والهروب إلى الأمام، لا تقولوا -ياأسيادنا الخبراء- أن أسس الأوضاع التي نجتر فصولها الآن قد تم إرساؤها في عصر ما قبل الاستقلال، وان فعلتم بادرناكم بقولنا : “العذر أقبح من الذنب” .. لأن الكل يعلم أننا تسلمنا زمام أمورنا وامتلكنا سلطة القرار، ولم يكن ثمة ما يحول بيننا وهدم تلك الأسس .. إن محو آثار الاستعمار كان من المفروض أن يحصل منذ أمد بعيد، فما الذي منعنا من ذلك ..؟ إنكم تعلمون – كما يعلم الجميع- السبب .. لقد رحل الاستعمار ولم ترحل ثقافته وفلسفته .. إنها متجدرة في عقول أشخاص منهم من تقلد المناصب وبات يخطط ويرسم مستقبل البلاد، ومنهم من تزعم تيارات الإصلاح وصار يقدم النصح والتوجيه لمن هم في مراكز القرار .. التقت المصالح والأهداف -أيها المحللون العباقرة- كما التقت العقول وطرائق التفكير، وكانت النتيجة – أيها المفكرون الجهابذة – الحالة المتردية التي يعيشها المغاربة اليوم، والتي لايحسدون عليها .. تفويضات لشركات أجنبية بالجملة، زيادات متتالية في كل شيء (من تحت الدف) خرق بنود العقود والالتزامات الجاري بها العمل من طرف جميع المؤسسات والمصالح الخاصة والعمومية على حد سواء .. أما الزيادات في أسعار المواد الأساسية والتي بها يضمن المواطن الفقير وجوده في هذه الحياة فحدث ولا حرج.

ليكن في علمكم الكريم، أن حل مشكل البطالة يتوقف على حل مشكل التنمية، وحل هذه الأخيرة، رهين بقدرة المجتمع على التطور والنماء بالاعتماد على الذات، فالذي ينبغي أن نصب فيه جهودنا ونوليه الاهتمام الأقصى هو تربية المواطن على الاعتزاز بالذات وبأنه إنسان ليس أقل شأنا من أي كان، فما دامت التنمية صيرورة ذاتية، فلا بد أن تكون الذات غير مريضة، وأن تكون واثقة من نفسها ومتشبثة بكرامتها وإنسانيتها، وينبغي أن نكف عن إلقاء مسؤولية تخلفنا على غيرنا، وأن نتوقف كلما حلت بنا كارثة عن استخدام هذا المنهج التبريري لقصورنا الذي طال أمده .. كم هو جميل – سادتنا المفكرون- أن تبحثوا عن حلول لمشاكل غيركم، وكم هو نبيل أن توظفوا أنفسكم في معالجة أزمات مجتمعكم، وكم هو أجمل وأنبل أن لا تلومون المرآة إن كانت وجوهكم قبيحة .. !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق