كلمة النقابة

حراك الحسيمة والتوظيف الغير مسؤول للمطالب المشروعة

أن يصبح الاحتجاج السلمي سلوكا معتادا عليه في الوطن، ويشكل خطوة متقدمة نحو التأكيد على نضج وعي المواطنين الديمقراطي، وترجمة ذلك في تواصلهم السياسي والإرادي والاقتصادي والاجتماعي، فهذا يمنح المغرب شرعية تصنيف دول الجوار الأوربي، بأنه من الدول المتقدمة ديمقراطيا في جنوب حوض المتوسط، وهذا ما عكسه المغاربة في السنوات الأخيرة، وآخره حراك الحسيمة السلمي للمطالبة بإنجاز المشاريع التنموية المبرمجة والمطالب الحقوقية المشروعة عقب وفاة بائع السمك محسن فكري، لكن سوء استخدام الحراك وتحويله عن أهدافه المطلبية وتسخيره في غير موضوعه، كما أصبح عليه منذ ستة أشهر، يجعلنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نتساءل عن مبررات استمراره بعد اتضاح هذا التوظيف السيئ لفعالياته ضد الوطن والعيش المشترك الذي يجمع أبناء الشعب المغربي.

إن تحول الحراك في الحسيمة عن أهدافه المطلبية المشروعة، تتحمل مسؤوليته بعد طول مدته الهيئات المنتخبة من مجالس قروية وجماعية وجهوية، والهيئات المؤطرة للمواطنين من أحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني، التي كان عليها جميعها أن تتدخل للمطالبة باسم المواطنين بضرورة الاستجابة لما رفعوه في الحراك السلمي، وأن لا تبقى في دور المتفرج خلال ستة أشهر من الحراك في الحسيمة، وأن توجه المشاركين في نفس الوقت إلى ما يمكنهم من إبلاغ مطالبهم ومعالجة مشاكلهم بحكم المسؤولية الدستورية التي تتحملها هذه الهيئات، وأن لا تترك نشطاء الحراك يتخلون عن الحوار معها وباسمها لإسماع مطالبهم.

إن نشطاء الحوار وجدوا ضالتهم في غياب الهيئات المعنية بالنيابة عنهم والتي تمارس مسؤولياتها من خلال تصويتهم الانتخابي، هو ما سرع من ارتفاع التصعيد الاحتجاجي، وجعل نشطاء الحوار يضاعفون من مطالبهم ويفرضون شروطهم على من سيتفاوض معهم وينوب عنهم .. وبالتالي، سهل على قادة الحراك خروج من يؤطرونه إلى التصعيد خارج خيمة الوطن برفع علم الجمهورية، والتخلي عن الاحترام والوقار لمؤسسات الدولة الدستورية، ومحاولة تعبئة الاحتجاج السلمي للتعبير عن مواقف متصلبة اتجاه كل محاولات العلاج للمشاكل مع السلطات المحلية والوطنية، هو الذي يعكس إرادة النشطاء في تحويل الحراك عن أهدافه الاجتماعية المطلبية، وهذا ما بدأ ينكشف عبر قصاصات الأخبار، وما يدون في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يقدمه الإعلام الغربي المعادي لاستقرار الوطن، والتفاف أبنائه حول قيم العيش المشترك التي حافظت على وحدة الوطن رغم كل المحاولات الاستعمارية القديمة والحديثة، وكل ما يحاك في الظرف الراهن لإقحام الوطن في وضع عدم الاستقرار الذي تعيشه جل دول الوطن العربي اليوم.

بكل بساطة، حتى وإن لم يتم اللقاء بصاحب حدث التظاهر في الحسيمة، يمكن استيعاب أهداف خطابه من مضمون ما كان يعبر عنه لهذا الجمهور، أو فيما كان ينقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهو لم يكن شخصا عاديا وبسيطا كما يدعي المعجبون به، الذين وصفوه بما كان يفتقر إليه من وسائل الإقناع، باستثناء رهانه على دغدغة جمهوره بالمعيش اليومي، وتحميل المسؤولية لأطرف كان يعتقد أنها المعنية بما تعيش عليه ساكنة الريف الذي يظل مجرد بقعة جغرافية مغربية بتميزها بقضايا هذا المعيش اليومي الذي اشتغل عليه هذا الزعيم الهلامي الجديد الذي يعتبر نفسه من أحفاد قائد ثورة الريف عبد الكريم الخطابي، الذي قاوم الاستعمار الإسباني، والذي ظل زعيما ثوريا بالنسبة لجميع المغاربة.

ما نحاول عرضه في هذا التحليل لشخصية هذا المنشغل بالمعيش اليومي لساكنة الحسيمة، الذي كان يريد النفخ في حجم المشاكل التي لاتختلف عن ما تعيشه باقي المدن المغربية في هذه الفترة، والتي تعود إلى تقصير النخب المحلية التي تؤطر المؤسسات المنتخبة الجماعية والجهوية والأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني، التي يجب أن تقود الحراكات الاجتماعية نحو الحلول والمعالجات التي تتطلبها المشاكل المطروحة التي يدفع ثمنها المواطنون المحرومون من وسائل الحماية من إفرازاتها وإكراهاتها .. لذلك، لا يجب أن نهول من سلوك هذا المدعو ناصر الزفزافي الذي عرف كيف يعزف ويثير انتباه المواطنين الذين كانوا يحضرون للتظاهرات في شوارع الحسيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق