أخبارمتفرقاتمنبر حر

زيف_حياتي

 

 

بقلم – ميمونة الحاج داهي

ما ظهر وما بطن في اللقاء الصحفي الأخير لرئيس الحكومة، أنه لم يكن حدثا عابرا حتى لا نبخس المشاركين ثرثرتهم .. سنعتبره لحظة سياسية كاشفة لطبيعة العلاقة بين الخطاب والواقع .. ساعة وست عشرة دقيقة من الكلام تحولت إلى تمرين في الطمأنة الداخلية أكثر مما كانت مساحة حوار مفتوح مع المجتمع

الرسائل التي صيغت في النصف ساعة الأولى بدت كما لو أنها الجوهر .. وذلك، من خلال الإشارة إلى التالي: استمرار الولاية إلى نهايتها .. الثقة في وزارة الداخلية .. تقسيم المعارضة بين “مسؤولة” و”شعبوية” .. و وعود الانسجام مع الحلفاء .. لكنها، في العمق لم تكن سوى إعادة إنتاج لمعادلات يعرفها الداخل السياسي منذ البداية .. بمعنى السيد ما قال والو ..

المفارقة، أن من خطط لهذا اللقاء وأشرف عليه لم يرفع أسهم رئيس الحكومة، كما كان مأمولا .. لقد زاد الطين بلة وأحرج رئيسه .. فقد بدا الرجل في وضعية دفاعية يكرر تطميناته لشركائه وخصومه، بدل أن يفتح أفقا للمواطن

الإخراج الإعلامي اختزل المناسبة في خطاب مؤسساتي موجه لدائرة مغلقة من الفاعلين السياسيين، بينما ظل الجمهور العريض متلقيا ثانويا .. وهنا يظهر الخلل ..  المخلل  .. فالسياسة، لم تُختزل في مضمون العبارات فحسب، تجاوزته إلى الشكل الذي فُرض على الرجل، لأنه وجد نفسه مجبرا على إدارة القلق داخل النسق، بدل مصارحة الناس

و زادونا من الشعر بيتا .. فما غاب عن الحوار أهم مما حضر، لم تُطرح بجرأة أسئلة الغلاء الذي ينهك القدرة الشرائية .. ولا مستقبل المدرسة العمومية المتدهورة .. ولا كلفة الانتقال الطاقي على الفئات الوسطى والفقيرة .. ولا خطط إصلاح ملموسة للقطاع الصحي، بدل ذلك عُرضت أرقام وتقارير سبق أن تليت في البرلمان دون أثر محسوس على حياة الناس .. المواطن المفروض أنه المُخاطب المرجوة ثقته والمطلوب صوته تابع اللقاء و خرج بلا جواب عن يومه .. مكتفيا بعبارات مكررة عن الثقة والانسجام

بهذا المعنى .. اللقاء لم يكن فقط ضعيفا في المضمون، بل عرّى محدودية أدوات التواصل الحكومي .. السياسة بدت كأنها إدارة للقلق بين الفاعلين، أكثر مما هي التزام مجتمعي وصناعة مستقبل .. والنتيجة أن الخطاب الذي كان يُفترض أن يطمئن المواطنين رسّخ فيهم العكس ..  إحساسا متزايدا بالعزوف وفقدان الثقة والغرق أكثر في طي الخذلان

لقد كنت أقول دائما، إن أعمق أزمة نعيشها ليست اقتصادية ولا تقنية .. إنها للأسف أزمة ثقة، والسياسة الحقيقية لا تُقاس بقدرة رئيس حكومة على توزيع رسائل محفوظة على الداخل .. ولكن، بجرأته على مخاطبة الخارج الأوسع، أقصد الناس الذين ينتظرون أثرا ملموسا يغير حياتهم

ما لم يتحقق هذا الشرط، ستظل اللقاءات الطويلة مجرد عناوين للإخفاق .. لحظات إعلامية ثقيلة تدور حول نفسها، وتفشل في مهمتها الأولى “بناء جسر ثقة بين السلطة والمجتمع .. الحاصول، احزم راسك “بزيف حياتي” محشو بدوائر الليمون الحامض حتى تشفى من حموضة اللقاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق