
سيدي الوزير .. هل تسمع أنينهم حين يصمتون ..؟
* سعيد ودغيري حسني
لقد عهدنا في ملوكنا الكرام، منذ عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وإلى عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وفاءً نبيلاً للفنان المغربي وتقديرًا صادقًا لدوره في بناء الوجدان الجماعي للأمة
كم من مرة تدخّل جلالته شخصيًا لإنقاذ فنان من محنة المرض أو العوز ..؟
كم من التفاتة مولوية أعادت الأمل في قلب فنان كاد يُنسى ..؟
وكم من توصية سامية دعت إلى الرفع من شأن الفنان، وتنظيم وضعه، وضمان كرامته في الحياة والممات ..؟
وإذا كانت المؤسسة الملكية قد أدّت هذا الواجب النبيل مرارًا، فإن السؤال اليوم يُطرح على المؤسسات الأخرى: أين أنتم من صوت الفنان ..؟
من آلامه ..؟
من شيخوخته ..؟
من صمته الطويل ..؟
رحم الله الفنانة المغربية الكبيرة نعيمة بوحمالة
رحم الله وجهًا أحببناه، وصوتًا صدح بالحياة، وجسدًا تحمّل كل شيء في صمت ومضى، لقد غادرتنا نعيمة، كما يغادر الكبار: بهدوء، بلا ضجيج، بلا كاميرات، بلا ضوء .. غادرت كما عاشت، بين البسطاء وهي منهم .. كانت لنا ضحكة على الشاشة، وكان لها الحزن في الكواليس
سيدي الوزير
أخاطبك لا بلغة السياسة، ولا بمنطق الأرقام، بل بلغة القلب، والحق، والواجب .. هل نحتاج إلى جنازة لنتذكر أن بيننا فنانين يموتون كل يوم ..؟
يموتون وهم أحياء في بيوتهم على أسرّتهم، في وحدتهم، وفي صمتهم الطويل ..!
كم من فنان مغربي اليوم يعيش بلا تغطية صحية ..؟
كم منهم يعيش دون معاش، دون حماية، دون حتى كلمة “شكرا” ..؟
كم واحد منهم يُخفي مرضه عن الناس كي لا تُهتز صورته ..؟
وكم واحدة منهن تُخفي دمعتها عن أبنائها لأنها لا تملك ثمن الدواء ..؟
هؤلاء لم يختاروا التجارة، ولا الصفقات، ولا السمسرة .. اختاروا الفن .. اختاروا أن يكونوا رسل إحساس، في زمنٍ كثرت فيه الأقنعة وقلّ فيه الصدق .. رفضوا أن يبيعوا مواقفهم، فباعوا أيامهم من أجل عرض مسرحي، أو دور بسيط، أو مشهد يُنسى .. أهدوا هذا الوطن جمالًا لا يُشترى وإرثًا لا يُمحى، وملامح لا تزال محفورة في ذاكرة جيلٍ كامل .. فهل جزاؤهم أن ينسحبوا من الحياة على أطرافها ..؟
هل يكون وداعهم سطرًا صغيرًا في موقع إلكتروني ..؟
هل تُبكينا صورهم القديمة، ولا تُحرّك فينا شيئًا صورهم الحالية وهم منحنون، متعبون، منسيون ..؟
سيدي الوزير
من جاوز الستين في المغرب من الفنانين قلة، وحتى لو كانوا كثيرين، أليس في هذا البلد صندوق للتضامن ..؟
ألسنا نكرّم من لا نعرف أسماءهم وننسى من تربينا على أصواتهم ووجوههم ..؟
أنا لا أطلب صدقة لأحد .. أنا أطالب بسياسة عمومية، بقرار وزاري، بخطوة إنسانية، تحفظ كرامة من بنوا هويتنا الفنية والثقافية
لماذا لا يكون عندنا:
صندوق معاش للفنانين فوق الستين ممّن ليست لهم تغطية ولا دخل ..؟
بطاقة فنية حقيقية تضمن الامتيازات لا مجرد هوية ..؟
آلية تدخل استعجالي حين يُصاب فنان بمرض أو أزمة ..؟
مراكز تكريم وتأهيل نفسي وجسدي للفنان المُسن ..؟
وقبل ذلك، خطاب جديد يُعيد للفن والفنانين مكانتهم في وجدان الدولة والمجتمع ..؟
سيدي الوزير
أعلم أن بين يديك ملفات كثيرة وضغوطًا لا تُحصى .. لكنّي، أعلم أيضًا أن هذا الملف بالذات، إن حظي ببصمتك، فسيُخلدك في قلوب من أحبوا المغرب بطريقتهم الخاصة: بالغناء والتمثيل، والإبداع، والحلم .. قم بشيء يُشبه المغرب الجميل .. شيء يليق بمن صنعوا ذاكرتنا .. شيء يُنقذ البقية قبل أن نملأ جنازاتهم بالتصفيق ..
وداعًا نعيمة بوحمالة .. سامحينا إن تأخرنا في قول شكراً .. وسامحينا أكثر لأننا لم نُحسن لكِ وأنت بيننا، وباسمك وباسم كل من غادر، وكل من ينتظر
أخاطبك يا سيدي الوزير، بكل ما في قلبي من وجع، وصدق، ومحبة لهذا الوطن
مع كامل الاحترام والتقدير
كاتب، شاعر، وسيناريست مغربي*