كلمة النقابة

إذا تمسك غريق بغريق حتما يغرقا

كثيرا ما يُتداول بين خدام مهنة المتاعب، – المهنة التي تعد أساسية في خدمة الإنسانية والبشرية، من خلال رسالتها النبيلة – مصطلح (الصحافة الصفراء أو صحافة الإثارة ) حتى أضحى هذا المصطلح يحتاج إلى الكثير من الشرح والتوضيح أو تحديد معناه .. ومن المعلوم أن مصطلح الاصفرار هذا لم يقتصر إطلاقه على الصحافة فقط، (الجرائد والمجلات) بل أطلق أيضا على الكتب القديمة التي اصفرت أوراقها بسبب تعرضها لأشعة الشمس طويلا، وتقادم معلوماتها من كثرة استعمالها، وهكذا نجد أن مصطلح (الصحافة الصفراء أو الكتب الصفراء) .. يعني أنها خالية من أي مضمون، ونحسب أن هذا هو المعنى المقصود بإلصاق هذا اللون وإضافته إلى الصحافة أو الكتب، ليكون مجازا يفيد القدح والذم والتحقير، ومن الصفات التي التصقت بهذه الصحافة (الصفراء) كذلك، سواء كانت يومية .. أسبوعية .. شهرية أو دورية .. هي أنها تفتقر إلى المصداقية، والموضوعية، وتميل إلى التشويش، ولا تعتمد إلا على الإشاعات والنميمة، واختلاق الأخبار الكاذبة ..! وهذا ما يجعلها تفقد ثقة القراء فيها، لتبقى مجرد أوراق صفراء، لا يعار لما تأتي به من أخبار أي اهتمام.

وهذا الوصف لا ينطبق فقط على ( الكتب القديمة أو الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية) فحسب، بل لم يُستثن منه حتى أولائك الذين يديرون شؤون هذه الأخيرة .. المتمثلين في المديرين ورؤساء التحرير والمسؤولين عن النشر على حد سواء .. الذين فجأة تجدهم يسقطون على أرض هذا الميدان بمظلات ليركبوا على حرية الصحافة والتعبير في ظل وجود جسم صحفي بدون مرجعية قانونية كفيلة بصيانة وجوده واستقلاليته، ليصبح المجال مستهدفا من قبلهم كلوبيات همها البحث عن المنافع الشخصية في كل الاتجاهات، وتحقيق المصالح الخاصة، كما الإساءة إلى الحقل الصحافي والى المجتمع ككل .. وهذه اللوبيات تضم صفوفها أصحاب أقلام يمتازون بضحالة مستواهم الفكري والثقافي والمهني وحتى الإنساني، ولا يجيدون إلا التعدي على حقوق الآخرين ونسف أخلاقيات المهنة، والتهجم على أعراض العباد، بفضل إتقانهم لكل ما تحويه قواميس السب والشتم وهلم جرا .. والمضحك المبكي، أن ميزتهم الوحيدة هي أنهم يتعلقون بالقشة التي لا تنفع نفسها ولا الآخرين، التي يظنون عبثا أن بإمكانها الوصول بهم إلى شاطئ النجاة، رغم أن غرقهم جميعا أمر حتمي .. والجدير بالذكر، أنه كلما كثرت مثل هذه الأنواع من البشر تسقط بالمقابل قيمة القلم والمهنة.
وفي ظل هذه الفوضى التي يعرفها حاليا المجال الصحافي، وبخاصة في شطره المتعلق بالتنظيم في غياب قانون يحدد المعالم، فإننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نصطدم مع واقع أليم، بل ومرير أصبحت تعرفه الساحة الصحفية والإعلامية الوطنية، وخصوصا على مستوى إنشاء وتأسيس جرائد ومواقع إلكترونية ومنظمات نقابية وروابط تهتم بالشأن الصحفي والإعلامي، تبرز التساؤلات التي لطالما تقظ مضجع العديد من المهنيين الشرفاء، والتي تحتاج إلى إجابة واضحة وسط هذا الكم المتراكم من المستصحفين الزعماء الجدد والرؤساء المزعومين ونوابغ هذا العصر الأغبر، الذين تضافرت جهودهم مؤخرا وشرعوا في البحث عن صيغة يتبثون بها وجودهم في مجال الصحافة ظلما وعدوانا، والتساؤلات هي: “هل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، والتي أصبحت في زمننا هذا مهنة من لا مهنة له، تُمارس من دون أي تأهيل منتظم ..؟” وهل في الإمكان معالجة مايعيشه مشهدنا الصحافي من عبثية وتأخر وانزلاقات ..؟ وهل هناك إرادة حقيقية للالتفاف حول جذور المشاكل المطروحة، وفي مقدمتها الإسراع بوضع مرجعية قانونية ملائمة كما يتطلع إليها شرفاء الوطن في مهنة المتاعب ..؟ فهل سنعيش هذه اللحظات التاريخية كما عاشتها أمة الصحافيين والإعلاميين في عالمنا المعاصر..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق