كلمة النقابة

ما هذه الإباحية المستفزة لمشاعر المغاربة يا نبيل عيوش ..؟

رغم قرار وزارة الاتصال بمنع عرض فيلم “الزين اللي فيك” للمخرج نبيل عيوش، فإن الضجة التي خلفتها تستدعي الخوض في كل المواقف التي عبرت عن نفسها اتجاه هذا العمل الإبداعي الذي يعتقد صاحبه أو الجهات التي تقف وراءه أن المغاربة يمكنهم أن يتحملوا فضاعة وبشاعة ودعارة هذا الفيلم، الذي وصلت إباحيته إلى درجة مستفزة لمشاعر المغاربة، الذين ليسوا بالضرورة من الشعوب الاسكندنافية، الذين يعيشون في المنطقة الشمالية من أوربا الباردة.
لن نكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، إلا بجانب المغاربة الذين يرفضون هذه الإباحية المرضية، التي تناولها فيلم “الزين اللي فيك”، رغم إيماننا المطلق بالحرية الثقافية والإبداعية في أبعادها الإنسانية والحضارية، التي لا حق فيها لأي مصادرة أو حصار للإبداع الفني في جميع حقوله الأدبية والفنية، حيث تقوم عناصر حضارة أي مجتمع على مدى سقف حرية الإبداع .. وبالتالي، يكون هذا الإبداع فيها مجسدا لجوانب تقدمها وتطورها، ولكن، ليس بالنموذج والصورة المتعفنة والمنحرفة التي جاء بها فيلم “الزين اللي فيك” الذي يعتقد مخرجه أنه يعبر عن الواقع المخملي المسكوت عنه السائد في المجتمع عن الدعارة، دون أن يكلف نفسه بالقول أنه واقع الطبقة الميسورة التي وصلت إلى درجات متقدمة في العبث الاستهلاكي الجنسي الإباحي، وليس عموم الشعب المقهور في أبسط جوانب معيشه اليومي، والتي وصلت إلى درجة الاستخفاف التي تكون فيها النساء مضطرات فيها لهذه الدعارة بما تبقى في المجتمع من حياء ووقار اتجاه هذه الدعارة القهرية التي يجسدها هذا الفيلم الفضيحة، تحت ضغط الحاجة والبؤس.
إننا في عصر السماء المفتوحة والتدفق الهائل للصور والمعلومات بواسطة الإعلام الرقمي، فقد وصل الفيلم إلى من يعتقدون أنهم قادرون على منعه من الوصول إلى الآخرين، وأن الخوف الذي يعتقدون أنه يبرر في المنع يسهل على الدعاية له حتى وإن كان يتضمن المشاهد المخلة بالآداب وبالتقاليد السائدة في المجتمع، والواقع أننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نصدر الأحكام السابقة لأوانها، وإنما لا نصل إلى التعبير عنها إلا بعد جمع كل المعطيات والآراء والمواقف المعبر عنها حول الموضوع، وفي هذا الإطار، نتمنى أن لا نغضب جميع الأطراف المؤيدة والمعارضة للفيلم الذي أصبحت له شرعية التعبير عن وجوده، وأن الحكم الأخير عنه سيكون من هؤلاء الذين عملوا على تناوله وعرضه للمشاهدة والمتابعة النقدية التي ستكون إما معه أو ضده.
ما عسانا قوله لقيادتي حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال على هذه الهبة الحزبية الانتخابية ضد عمل فني ناقش بجرأة ظاهرة الدعارة التي تنخر جسدنا المجتمعي، ولم تتمكن وزارة التنمية سابقا ولاحقا في اقتراح خطة القضاء النهائي أو الجزئي عليها، في الوقت الذي توفرت لها فرص الاستمرار والانتشار على أكثر من صعيد ..؟ وهل المنتفضون ضد الفيلم الذي حاول مخرجه ملامسة الظاهرة والاقتراب من مخلفاتها وتمظهراتها أن يكونوا أكثر التزاما ودفاعا عن قيم المجتمع وتقاليده ..؟ إن لم يكن تحركهم الهزلي وموقفهم المفضوح الذي كشف بالملموس عن حاجة الحزبين إلى ما يمكن قيادتيهما من استرجاع ثقة الشارع التي سحبها منهما على ثر الفضائح التي ارتكبت في فترة وجودهما على رأس الحكومتين القديمة والحديثة .. والمثير للجدل فعلا، أن هذه الضجة المسرحية لم تنطلي على رجل الشارع الذي يتابع تطورات الحزبين في سياقهما الانتخابي المحموم من أجل الفوز في الاستحقاقات المقبلة، وليس من أجل تحصين وحماية ثوابت المجتمع، كما يدعون في هذا التوقيت بالذات الذي يجب أن يكون مخصص لتقديم الحصيلة للمواطنين المغاربة عن مجمل ما نفذ من برامج الحزبين الانتخابية، وسنكون سذجا كما يعتقدون أن نسقط في فخ الوعي الزائف عن الانتصارات والإنجازات التي حققوها، سواء من مواقعهما في الأغلبية أو المعارضة، خصوصا، حزب الاستقلال الذي يريد أن يكون له موقعا رياديا في نتائج الاستحقاقات المقبلة تحت قيادة أمينه العام الجديد، الذي لم يفلح بعد في احتواء الصراع الحزبي الداخلي، ولم يحسم بعد أيضا في خطة مواجهة غريمه الذي يعرف شطحاته وحقيقة الموقف المعارض الذي يسوقه الآن، ناهيك عن جهل قائده بالثقافة والفن الذي يريد أن يكون فيه زعيما روحيا بامتياز، وناقدا فنيا كبيرا، وهو الذي لا يمكنه من الإفتاء وإعطاء وجهة نظر حول هذا العمل السينمائي.
إن هذا الإيمان الذي نرفض من خلاله انفراد وزير الاتصال بالموافقة على قرار المنع دون استشارة من كافة الأطراف المعنية بالحقل الفني والثقافي، ونعتبره دغدغة غير مشروعة للتيار المتأسلم الذي يبحث باستمرار عن أخطاء التيارات الليبرالية والمدنية والحداثية والعلمانية ليكشر عن أنيابه ويستعرض عضلاته .. كما أننا نرفض في نفس الوقت موقف الرافضين لقرار المنع المشرع، باعتباره هجمة من حزب الأغلبية على حرية الفكر والإبداع، وهذا ما لا يجب أن يكون عليه الحوار الثقافي في المجتمع الذي يجب أن نحرص على استمرار نضجه وعطائه في كل أجناسه التي تعبر عن التنوع والتعدد الثقافي المجتمعي الذي يحاول خصوم استهلاكه للحرية واتساع مساحتها الهجوم عليه كلما سنحت الفرضة.
إن هذا الفيلم يعكس أن هناك حدودا ومعايير يجب احترامها من طرف كل من تم الترخيص له بإنتاج أي عمل فني موجه للعموم، وأن احترام حرية الإبداع لا يجب تفسيرها حسب منطلق الربح والخسارة، وأن الإباحية التي عبر عنها فيلم “الزين اللي فيك” مرفوضة وتستدعي أن تكون واردة في دهن مخرجه “نبيل عيوش”، كما أن من يؤيده من أطياف المجتمع يجب أن يميزوا بين المضمون الفني الإبداعي الصالح للاستهلاك، والمضمون الإبداعي المتعفن في الاتجاه الذي يخدم من يعيش في هذه الإباحية في العلاقات الاجتماعية التي لا تمثل سلوك السواد الأعظم من المجتمع المغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق