أحزاب و نقابات

حول أهمية الحريات النقابية في تنظيم العمل والرفع من الإنتاج ..!

S.71

لا يزال الخوف يوجه علاقة أرباب العمل والعمال والمستخدمين، مع أن أهم عوامل السير الطبيعي للمؤسسة يكمن في امتلاك العمال للتنظيم النقابي الذي يحدد طبيعة علاقتهم برب العمل، وبممارسة واجباتهم المهنية وصيانة حقوقهم، وقد نجحت الاقتصاديات التي وعت بأهمية العمل النقابي وشرعت القوانين المنظمة للعمل النقابي في دساتيرها وقوانينها التنظيمية.

لا نتحدث من موقعنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، عن هذا الموضوع، إلا من خلال إيماننا بما يمكن أن يحققه أرباب العمل والمستخدمين والعمال عبر وجود النقابة الممثلة للعمال والموظفين، والمحاور الرسمي باسمهم، والحريصة على تحسين مناخ العمل والإنتاج ومعالجة المشاكل التي يطرحها واقع العمل من حين لآخر .. خصوصا، إذا كان طرفي المعادلة في المؤسسة الإنتاجية يعترفان بما لهما من مصالح ووظائف وحقوق.

بالرغم من اعتراف أرباب العمل بالحق الدستوري في ممارسة العمل النقابي، إلا أنهم لا يعبرون عن ذلك من خلال تأمين ممارسته في مقاولاتهم، خصوصا في القطاع الخاص، حيث لا يتخلفون عن احتواء النشاط النقابي وتهميشه حتى وإن كان يخدم استقرار مقاولاتهم، ويساهم في تطورها الإنتاجي والتسويقي، ويشعر أغلبهم بضيق الصدر في التعامل مع ممثلي العمال والمستخدمين إلى الدرجة التي يلجأ فيها إلى طرد المكاتب النقابية أو وقف العمل والبحث عن مبررات الإغلاق المفضي إلى تشريد العمال.

إن سوء وعي أرباب العمل في القطاع الخاص، يعود إلى الجهل بأهمية العمل النقابي في تنظيم العمال وحمايتهم من التعسفات والتجاوزات، والرفع من وعيهم بحقوقهم وواجباتهم والزيادة في الفعالية والإنتاجية داخل مقاولاتهم، وهذا الرفض من قبل أرباب العمل طبيعي لخوفهم من عصيان القوة المنتجة وزيادة مطالبها المؤثرة على أرباحهم حتى وإن كانت مشروعة، خصوصا المرتبطة بتحسين مناخ العمل والزيادة في التعويضات والحوافز مقابل ارتفاع موارد المقاولات، حتى إن كان أرباب العمل يعلمون جيدا أن ما يأخذونه مقابل التعويضات عن ساعات العمل بالنسبة للعمال لا يساوي أو يتطابق مع الأرباح التي ينتجها هؤلاء العمال في ساعات العمل.

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعي جيدا مشروعية احترام القوة المنتجة لعقود العمل .. لكن ذلك لا يعني بالضرورة حرمان القوة المنتجة من حقوقها في تحسين أجورها والتعويضات عن حوادث الشغل والمرض والتقاعد في مقابل ما يناله أرباب العمل من أرباح خيالية تتجاوز بكثير قيمة الرأسمال الموظف، الذي يتوسع على حساب بؤس قيمة العمل الذي لا ينمو التعويض عنه بنفس ما يصبح عليه الرأسمال، الذي يتطور بسرعة، بحكم ما يقدمه العمال باستمرار، وهذا التناقض بين قيمة العمل والرأسمال لا ينتبه إليه أرباب العمل، ويتضايقون حينما يكون مطروحا عليهم من التنظيم النقابي، وغالبا ما يتفهم صاحب الرأسمال شرعية مطالب العمال في هذا المجال، وهذا مايؤدي باستمرار إلى النزاعات التي تضطر العمال إلى خوض النضالات المطلبية النقابية.

ما أحوجنا في اقتصادنا الوطني، وفي غيره من الدول النامية إلى أرباب العمل في القطاع الخاص الواعون بأهمية العمل النقابي، وتكريسه والاستجابة لمطالبه التي لا تتجاوز في غالب الأحيان قدرات أرباب المقاولات، حيث يلاحظ حرصهم على عدم الاعتراف بوجود النقابات، وباللجوء إلى ما يمكنهم من طرد المحسوبين عليها ووقف الحوار معها بالوسائل التي تؤدي إلى عدم التجاوب مع مطالبها حتى وإن كانت تخدم استقرار المقاولة وازدهارها، ويسود نفس الوعي في المقاولات الخدماتية في هذا القطاع الخاص، نتيجة تباين المصالح بين الرأسمال والعمال، حيث الرضى كبير من قبل الٍرأسمال في مراكمة أرباحه وتوظيفه في مقابل حرص العمال على تحسين ظروف العمل، والزيادة في الأجور والتعويضات الاجتماعية والمهنية، ويطرح تاريخ النظام الرأسمال هذا الواقع الذي يتجدد كلما شعر أصحاب الرأسمال بتناقص أرباحهم، حيث كانت نشأة العمل النقابي من أجل إصلاح الأعطاب التي تتميز بها العلاقة بين الٍرأسمال والعمال .. وإلى اليوم، وفي الشروط التي أصبح عليها النظام الرأسمالي الصناعي والتجاري والمالي لا يزال عدم الرضى وضعف التعايش قائما بين الرأسمال والعمل.

إن سوء العلاقة والتعاطي بين أرباب العمل والنقابات، تعود إلى الخوف من ضياع الرأسمال في الحصول على الأرباح التي يحصل عليها من تضحيات العمال والمأجورين .. وتباين المصالح بين العمال وأرباب العمل لا ينته دائما إلى تحسين العلاقات وفض النزاعات بما يخدم أرباب العمل والعمال، وتواجه الحكومات في الدول النامية، ظاهرة إغلاق المقاولات، كلما توسع الوعي بالحريات النقابية، حيث يكون الإغلاق والطرد هو الحل للنزاعات التي يطرحها الخوف من الحريات النقابية، التي لا مفر منها في عملية الإنتاج والتسويق، في أي اقتصاد يقوم على وجود أرباب العمل والقوة الإنتاجية من العمال والمستخدمين، والذي يتطلب وجود الوعي بالقوانين المنظمة للعلاقة بين الجانبين في المؤسسة الإنتاجية أو الخدماتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق