نافذة على الثقافة و الفن

هلوسة ثقافية متهالكة ..!

44110

كثيرة هي انزلاقات بعض الذوات المفكرة في مجتمعنا، التي لا زالت تعتقد أن ما تنتجه من سلع في شتى أجناس الكتابة لا يزال صالحا للاستهلاك في عصرنا هذا، وأنه بدون ما تفكر فيه هذه العقول ستظل أزمة الوعي ومحنة الذات في شأننا الثقافي والأسماء تعرف أن “ماركتها” الثقافية لم تعد صالحة للتنافس في السوق، فبالأحرى أن تكون مرجعا موجها ومؤثرا في عقول البسطاء، وياليتهم غيروا العناوين الملغومة وانطلقوا من القضايا اليومية التي يعاني منها هؤلاء المجبرين على التواصل مع إبداعات هذه الصفوة العالمة التي تصر على التحدي بوجهات نظرها الإبداعية، التي لا علاقة لها بالواقع الذي تتناوله بالبحث والتأمل والدراسة ..!

ما عسانا قوله اتجاه هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أكثر وعيا ويقظة من الآخرين، الذين يدعون الدفاع عن ضحايا البؤس والاستغلال الذي يسوده، في الوقت الذي يشاركون فيه في ملذات المحظوظين، هذا الذي يخفونه وراء المفردات الكاذبة التي يوظفونها في متابعاتهم الثقافية فقط، حبذا لو كانت حقيقية وتعكس مشاعرهم الصادقة الرافضة للبؤس الملموس، وهذه هي المفارقة التي لايملكون القدرة على إبراز شرعيتها التي تتهمهم بالنصب على السذج من الذين يتابعون ما يطرحونه في شعرهم ورواياتهم وقصصهم، خصوصا الواعون بأنهم يتحدثون عن الواقع الذي لا يشاركون ضحاياه في التجربة المباشرة لكل مظاهر البؤس الذي يعيشون فيه.

لن نصدر الأحكام الجاهزة على هذه الفئة التي فقدت الارتباط بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتطرح برازها المتجاوز للتعبير عن حركة الفكر والوعي المطلوب في هذه المرحلة، فكم هي خطيرة هذه الخرجات الإبداعية التي تدعي النضال والمواجهة في الشأن الثقافي، وهي لا تتحسس أبسط الصور المادية عن المواضيع التي تتناولها في هذا الذي تعتبره وعيا متقدا وتصورا ثوريا مضادا، وما هو في الواقع إلا عمليات صياغة للمفردات في جمل غير مفيدة .. فعن أي محنة للذات التي يحاول هؤلاء المخبولين عرضها والحديث عن تراجيدية الإكراهات التي تواجهها في المجتمع ..؟ وماذا قدمت هذه العقول المهمومة بأزمة مجتمعها خارج لغة المزايدات والأوهام التي لا علاقة لها بالواقع السائد ..؟
إن هذه الذوات تعيش هلوسة ثقافية متهالكة لن تتحرر منها في شروط الفترة المعاصرة التي لا أحد يتجاهلها، وستظل في نهاية المطاف معوقة وعاجزة على إقناع من يتابع شطحاتها ومغامراتها الغير منضبطة للوعي الاجتماعي السائد، ولمصالح الطبقات المتصارعة فيه، وحيث أنها تتحدث عن أزمة الوعي ومحنة الذات فما أروع لو حددت لنا هوية من يمتلكون هذا الوعي الذي يعاني من الأزمة، وحددوا لنا طبيعة المحنة التي تعيش فيها الذات المفكرة ..؟ حتى نكون على علم مع الذين استطاعوا التأثير في المجتمع باجتهاداتهم الإبداعية الثورية.

ما الفرق بين التتار التكفيريين الذين يهددون العالم بالجحيم والدمار إذا لم يؤمن الناس بما يروجون له من الثقافة الدينية التكفيرية الظلامية، وبين هؤلاء الذين يدعون أنهم الطليعة الثورية المعنية بمواجهة أزمة الوعي وتخليص البسطاء من ضغوطها الإيديولوجية التي تخدم من يتحكمون في العلاقات الاجتماعية السائدة، وهم لم يتمكنوا بعد من تحرير أنفسهم من أزمة وعيهم الشقي المتهالك ..؟ وحتى لا نتيه في تعميق الهوة التي تفصلنا عن هؤلاء المصابين بأزمة الوعي ومحنة الذات، نهمس في آذانهم جميعا أن بسطاء المجتمع لا يريدون إبداعاتهم التي لم تتحرر بعد من ثقافة السراب والفوضى العبثية التي يعيشون فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق