أحداث دولية

الوجود الإنساني والإرهاب الأعمى المتواصل

إنفجار-في-بئر-ح

تواجه الإنسانية تصعيدا إرهابيا تجاوزت خطورة عملياته في العقود الماضية، ولا يعرف بالضبط فيما إذا كان بالإمكان احتواؤه وتصفية الأطراف التي تقف وراءه بعد أن تجاوز الحدود وأصبح يهدد قيم العيش المشترك في جميع المجتمعات الشرقية أو الغربية، كما يهدد بجحيمه الدموي ما تبقى من المساحات الجغرافية الآمنة في العالم، ويفرخ جمعياته وحركاته المتشددة أمام أنظار الجميع.

هل هذا التصعيد الإرهابي العالمي يولد من فراغ، أو أن توجه نشطائه الذين يترجمون بردود فعلهم الدموية إلى تصفية الحساب مع خصومهم فقط ..؟ فهؤلاء الذين تغذيهم الحسابات السياسية والإيديولوجية والدينية أصبحوا يتصرفون بوحشية عنصرية وطائفية يتجاوز تصوراتهم لمفهوم الجهاد الديني الدعوي السلمي، كما هو منصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث قامت الدعوة على الحوار والجدل مع غير المسلمين، وتجنب الإكراه القهري للفئات الاجتماعية المستهدفة، واحترام حرية التدين، والدعوة إلى الإخاء الروحي، وإن كان هناك تحريف لمقاصد الإسلام اليوم على يد هذه العصابات المارقة التي تقتات من توظيفه الدموي مع الجهات التي تحولها كالإخوان المسلمين، الذين يشكلون الحاضنة الرئيسية لكل الحركات الدموية في العالم العربي والإسلامي، فإن ما يجب أن تحرص عليه شعوب المنطقة هو محاربة جذور هذا الفكر الجهادي التكفيري الذي تنوعت أسماؤه، وإعادة النظر في التعاطي مع التراث الإسلامي وتنقيته من رواسب هذا الفكر الإخواني الظلامي الذي تبين بالملموس أنه هو المرجعية التي توجه عمليات هذه الحركات الأصولية الدموية المنحرفة في المنطقة عموما حتى هذه الفترة المعاصرة، ويصعب تكهن سناريوهات نهاية الصراع العربي الإسرائيلي الذي تحاول الدول المدعمة للوجود الإسرائيلي أن لا تتضرر منه هذه الدول النازية الجديدة في المنطقة، مهما كانت شعوبها تعاني من نتائجه الكارثية في جميع مجالات حياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

إذن، المجتمع الإنساني اليوم يعاني من استمرار مأساة الشعب الفلسطيني عبر هذا الإرهاب الظلامي الذي خلفته ظروف المنطقة وسياسة الدول الاستعمارية التي لا تريد للعرب والمسلمين العيش في سلام واستقرار، انسجاما مع تاريخ علاقاتها مع شعوب المنطقة في فترة المد الاستعماري وما قبلها وأثناء صراع الأمبراطوريات الغربية والشرقية، لذلك كان تحريك هذه الحركات الدموية المتطرفة للإبقاء على ماتعيشه المنطقة من تخلف وتأخر في نظمها السياسية والاقتصادية التي يعتقدون أنهم يدافعون عنها إلى أن يكونوا مجندين لتنفيذ المشاريع الاستعمارية الجديدة، والذين وجدوا في الربيع العربي الخلفية التبريرية لإعطاء المصداقية لعنفهم الدموي الظلامي يتجاوز مطالب الشعوب العربية في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والاستغلال الطبقي واحترام حقوق الإنسان.

إننا في جريدة المستقلة بريس الإلكترونية، نعتبر التصعيد الإرهابي الحالي محصلة لتواطأ دولي وإقليمي لفرض المشروع الهيمني الاستعماري الجديد في المنطقة العربية، ومنح إسرائيل الحماية لاستكمال سياستها الاستيطانية والتهويدية والاستعمارية في فلسطين، التي لا يزال شعبها محروما من الاستقلال والعودة إليها لأكثر من 60 سنة، والذي لا يزال يناضل لاسترجاع حقوقه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المغتصبة من الكيان الصهيوني، والإبقاء على ضعفها، ومنع أي محاولة لتحررها من الهيمنة الاستعمارية، مهما كانت نفقات هذه الهيمنة التي تقوم بها هذه الحركات الإرهابية، نيابة عن هذه الدوائر الاستعمارية الغربية حتى وإن كان هذا الدعم الغربي للإرهاب ضد قيمها الحضارية والديمقراطية والتحررية التي تتغنى بها.

ما ننبه إليه هو أن هذا العنف الإرهابي الدموي يوظف فيه الدين الإسلامي لتبرير عمليات الجهادية التكفيرية في المناطق التي تنشط فيها، وهو توظيف ضد جوهر الإسلام كدين يناهض العنف ويدعو إلى السلم والإخاء بين الشعوب، فبالأحرى بين المسلمين الذين نشأ في بلادهم ويوجههم إلى نشره بالدعوة السلمية والحوار، وهذا ما تخلت عنه الحركات الدموية التي توظفه اليوم ضد خصومها في العالم الإسلامي والعربي أو خارجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق