منبر حر

معارك العشريات المتبقية من الألفية الثالثة ستحسم في تضاريس قلب المرأة و سماء عقلها

AZZOUZI 1

* عبد الله عزوزي

يأتي هذا الحكم على هامش ما بات يُعرف باليوم العالمي للمرأة الذي يُخلَّد يوم الثامن من مارس من كل سنة. اعتمادُ هذا اليوم ظهر بعد تأسيس عصبة الأمم (League of Nations التي تحول اسمها إلى “الأمم المتحدة” ( The United Nations) مباشرة بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سنة 1945، وكانت البشرية يومها قد وصلت مراحلَ متقدمةٍ من التطور المبني على سرعة تبادل المعلومة و اختزال المسافات ..!
الأمم المتحدة ، التي لن تكون سوى هذا النظام الكوني الوضعي الذي يحكمنا، تُوَّحِدُها قضايا عدة و كبرى كسؤال السلم و قضايا الحروب والمجاعة والتعليم والصحة، و”الديموقراطية”، والطاقة وانتشار الأسلحة. لكن تبدو قضية المرأة أكبرَ و أخطرَ منطقةٍ تشتغل فيها “اليونايتد نايشنز” في محاولة منها لعوْلَمة نموذج واحد من صورة المرأة في الثقافات عبر العالم …!
قراءةٌ مُتَمحِّصةٌ وناقدة للتطور الذي عرفته الاتفاقيات والتوصيات الناجمة عن مؤتمرات تمت تحت رعاية الأمم المتحدة كافٍ بأن يُقنِعَ المتتبعين بأن مستقبل البشرية سيتغير بشكل جدري – كما وقد تغير بنسبةٍ كبيرةٍ عما كان عليه في ستينات القرن الماضي- من خلال إعادة صناعة المرأة وعلاقة المجتمع بهذه الأخيرة.
لا نشك في أن البدائل الُمقَدَّمة من طرف مهندسي مستقبل المرأة، ومن خلالها مستقبل البشرية (الذين تحكمهم خلفيات عقدية و مصلحية متشعبةً) تتصادم بشكل مطلق مع ما جاء به الإسلام لصالح المرأة في هويتها وكرامتها ومشاعرها و أدوارها و أموالها …!
البشرية اليوم بدأت تجني ثمار ما غرسته “عصبة الأمم” بالأمس .. و المستقبل يَعِدُ بالكثير من المفاجآت التي لن تعود كذلك مع مرور الوقت، في ظل وُجودِ إعلام قادر على النجاح في التطبيع مع كل ذي شُذوذٍ وانْزياحٍ وتقديمه على أنه “موديل Model” عادي و مقبول…
في المغرب، البلد ذي اثنا عشر قرناً من الحكم المبني على الإسلام، والمُؤسِّسِ للحضارة الإسلامية بالأندلس الأوروبية، لم يَنْجُ من شرارات الفكر الأممي … ! الكل يتذكر علاقة المرأة المغربية التاريخية بلباسها وشَعر رأسها في الماضي القريب .. ويتذكر كذلك مليونية الدارالبيضاء المناهضة ل “خطة إدماج المرأة في التنمية” سنة 2000، التي تلاها مخاض تغيير مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة)، وما سمحت به من إمكانية تجاوز الشرط المتعلق بالولي الشرعي، والسماح للمرأة بحق طلب الطلاق للشقاق .. وهو الأمر الذي لم يَحُد قطٌ من ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر المغربية التي أصبحت روايات معاناتها، رغم دقتها، يُخَيَّلُ لسامعها أنها بعيدةٌ عن الواقع، قريبةٌ للخيال ..!
اليوم مصطلحات من قبيل “مقاربة النوع، وتبادل الأدوار، والأم العازبة، والعلاقات الجنسية العابرة، أو علاقات بالتراضي، وحرية المرأة في جسدها، مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وجمعيات حقوق المرأة، والإنصاف والمناصفة الخ ..” أصبحت تُؤثِّثُ كلام العام والخاص في الشارع وعبر وسائل قنوات الاتصال.

من السهل اليوم أن نتبادل التهم بيننا حول من يُريد خيراً أو شراً بالمرأة (سواءً مغربيةً كانت أو عربيةً)، لكن من الصعب من نُرْجِع الأمور إلى نصابها إذا ما وجدنا أن نواتَنا الاجتماعية التي تمثلها الأسرة قد أصِيبت بورم خبيث يصعب استئصاله سواءٌ جراحيا أو كيميائيا.

حري بي عند نهاية هذا البوح أن أستشهد بمقولة الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه التي أوردها بكتابه “ذاكرة ملك”، مقولة تعكس وصول الصقور التي جاءت لتغرس أظافرها في جسد المرأة المغربية إلى سماء الوطن، يقول رحمه الله: (“إذا كان المقصود بالحداثة القضاء على مفهوم الأسرة، وعلى روح الواجب إزاء الأسرة، و السماح بالمعاشرة الحرة بين الرجل والمرأة، والإباحية في طريقة اللباس مما يخدش مشاعر الناس؛ إذا كان هذا هو المقصود بالحداثة فإني أفضل أن يعتبر المغرب يعيش في عهد القرون الوسطى على أن يكون حداثيا”)

فلا شك، إذن، في أن معارك العشريات المتبقية من الألفية الثالثة ستحسم فوق تضاريس قلب المرأة و سماء عقلها من خلال المناهح التعليمية والتوصيات الأممية و”نضالية” الجمعيات النسوية، فضلا عن بوق الاعلام … بعدها بقليل سيكون العالم قد قطع مراحل متقدمة من مرحلة احتضاره و فنائه.

*عضو الأمانة الإقليمية ن.م.ص.م – تاونات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق