منبر حر

هنا حلب .. و هذا زمن إسرائيلي بامتياز ..!

SANAE EL HAFE

*سناء الحافي

ليس من قبيل المصادفة أن يكون توقيت عرض “الهدنة” نذير شؤم على بلاد الشام، بعد أن تعرضت حلب لأكثر المجازر تدميرا وإبادة بقبضة روسية، وليس من الإنصاف أن نتحدث عما تعرّضت له الغوطة الشرقية بريف دمشق مع استمرار الحرائق في حلب .. فكلّ حدث يشكل أولوية إستراتيجية لأصحاب الشأن .. باستثنائنا نحن ” أبناء هذا النفق المظلم ” الذي نتخذ منه ذريعة قصوى لضعفنا واستسلامنا، انصياعاً للسلطة وأصحابها، حيث نجابه الحرب بـوسم ” ‫#‏حلب_تحترق‬” و” تغريدات ” تضامناً منّا بنكهة الكرم .. لكن ذلك لم يحرك السياسيين لاتخاذ أي إجراء، لتبقى صور القتل الوحشي حبيسة الفضاء الافتراضي، ولتشهد المنطقة من جديد ما شهدته منذ مائة عام، من رسم خرائط جديدة، ومن مراهنات على الخارج، ومن حصد صهيوني لهذه المتغيّرات، بينما أوطانٌ في الأمّة العربية تشهد الحروب الأهلية، في ظلّ تشويهٍ لحقائق الصراعات تشارك فيه قوى حاكمة ومعارضة .. “مجزرة في المساء .. مجزرة في الصباح .. في حلب، “هذا حال ما كان يعرف بالعاصمة الاقتصادية لسوريا، والمدينة التي عُيّرت في وقت ما أنها تأخرت بانضمامها للثورة/ الحرب، فباتت اليوم قلب الثورة ومركزها، ومحط قصف ليل نهار، تنام على مجزرة وتستيقظ على أخرى ..!”

واليوم .. وبعد أن استبيحت حلب، واستبيح الدم العربي، آن لنا أن نتساءل كعرب : إلى أين تسير الثورة السورية بعد هذا الكمّ الهائل من الدم ..؟ وإن صحّ السؤال : أيّ ثورة – جريمة – هذه ..؟، هذه الجريمة المتكاملة في أدواتها ووسائلها وخططها وتنفيذها، في حين أن العدالة الدولية لا تتخذ أي خطوة حقيقية لمحاسبة المجرم الذي يصدر العنف والإرهاب ويشرد الملايين من البشر إلى أنحاء العالم،
لكنّ العالم السياسي حتماً يشعر بـ: “القلق” لهذا الانتهاك الصارخ للقانون الإنساني ويدينه ..! و السّاسة يزوّرون الحقائق ويبحثون عن حلول للمفاوضات على طاولة جنيف التي لن / لم تحل شيئا منذ اندلاع ” الثورة-الحرب”.

هو .. زمنٌ إسرائيلي حينما لا يجوز الحديث عن مشاريع إسرائيل وأعمالها لعقود من أجل تقسيم الأوطان العربية، بحجّة أنّ هذا الحديث يخدم أنظمةً حاكمة .. و ما يحدث الآن في الوطن العربي، هو تعبيرٌ لا عن خطايا حكومات وأنظمة فقط، بل هو مرآةٌ تعكس الفهم الشعبي العربي الخاطئ للدين وللهُويّتين العربية والوطنية، ولمدى خلط بعض المعارضات بين مواجهة الحكومات وبين هدم الكيانات الوطنية، ولسقوط بعض المعارضين والمفكّرين في وحل وهُوّة التفكير الطائفي والمذهبي، وفي التماشي مع رغبات “الخارج” وشروطه.

الوضع الإنساني والنفسي مؤسف ومؤلم وموجع، لا بل كارثي ومأساوي وغير إنساني أو اكتب ما شئت واستعرض ما أردت ولكنك لن تعطي المشهد حقه وتصفه بالشكل الأمثل الذي يجب قوله. ولو سألنا كلَّ إنسانٍ عربي عن أولويّة اهتماماته العامّة الآن، لكانت الإجابة حتماً محصورةً في أوضاع وطنه الصغير، لا “وطنه العربي الكبير”، ولا قضيّته الكبرى فلسطين، فالأمَّة الواحدة أصبحت الآن “أمماً”، وفي كلٍّ منها “أممٌ متعدّدة” بتعدّد الطوائف والأعراق والعشائر، ولدى كلٍّ منها أزمته الحادّة وصراعاته المفتوحة دون أن يلوح أفقُ أملٍ أو حلٌّ قريب.

نعم، هو زمنٌ إسرائيليٌّ بامتياز، حينما يُدان الآن التنبيه لكل العرب بعدم تكرار ما حدث في لبنان والعراق والجزائر والسودان وليبيا، حيث سقط مئات الألوف من المواطنين الأبرياء ضحيّة الأنظمة وسوء تصرّف معارضيها المتعاون بعضهم مع القوى الأجنبية، وكل ذلك تم بمؤازرة إعلامية انتهازية لأقصى الحدود والتي لا هدف لها إلا الإمعان في التشتيت للأمة وإبعادها عن غاياتها في الحرية والديمقراطية ومصالحها الخاصة وأصبح التعبير بالقول والعمل والكلمة من المحرمات ..!

*أديبة وصحفية مغربية بالمهجر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق