نافذة على الثقافة و الفن

جماليات الرؤى في النص الشعري المعاصر

*سناء الحافي

إن الحديث عن التطور في الشعر العربي المعاصر، يستوجب علينا الانتباه إلى الجوانب الشكلية التي تجاوز فيها الشعر الناحية الإيقاعية للقصيدة العربية، وصولا إلى تطوير الرؤية الشعرية -حسب متطلبات العصرنة- لدى الشاعر وتناوله للقضايا التي تحيط به وبمحيطه بأسلوب يتماشى مع العصر الأدبي الحديث .. وباعتبار أن التجديد الأساسي في القصيدة ليس في جوانبه الشكلية كما يعتبرها البعض فحسب، بل ضرورة توفرها على هذه الرؤية التي تخدم الحدث والزمان والمكان واللغة، وعلى الشاعر أن يعبر عن محيطه وأن يتجاوب مع أحداثه وفق قوانين محكمة، وهذا أمر لا يتحقق لكل من يكتب الشعر، ولكنه يتحقق فقط للشاعر الذي يمتلك حسا شعريا رفيعا وثقافة واسعة تؤهله لبلورة خطاب شعري جميل.سنـــــــاء

ولهذا السبب، نجد أن الشعراء المقروئين في هذه المرحلة، هم الشعراء الذين يمتلكون رؤية شعرية ناضجة، رغم بعض الضعف الذي قد يعتري قصائدهم، فقد يظهر الشاعر وكأنه يتحدث عن قضية شخصية، ولكنه سرعان ما يتبين أن ما كان يعالجه في النص هو خاص بالآخرين، مستخدماً لغة سهلة واضحة، معتمداً على المنهج الحداثي حيث الفرضية والرؤية الشعرية.

إذ يرى العديد من النقاد أن الرؤية الشعرية هي الحد الفاصل بين الشعر الحداثي الجيد في نسقه الجمالي وغيره من الشعر، والدليل على ذلك، إذا ما أردنا أن نصف لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو أي نتاج إبداعي، فلن نجد أدق من كلمة -شعرية- لتكون الوصف القرين للجمال والروعة والإبداع.

وإذا كان الشعر في حدّ ذاته ملمحا جماليا .. فإن هذه الجمالية تكمن في العمق الحسّي والتصويري والفنّي، ويمكن الاستدلال عليها عبر مجموعة ملامح بعينها تصف شيئاً ما، وإن اختلفت في نسبيتها، ولكنها موجودة وتظهر في النص الشعري بشكل مباشر مع منظومة التنوع والمرونة، التي قد تؤسس للنسق الجمالي وتفرزها الذائقة الإبداعية، فما بين جيد ورديء مساحة شاسعة تسمح بقدر كبير من التباين والتمييز ..!

فالجمالية قرينة الإبداع الحقيقي بعيداً عن أي متغيرات، حيث التداعي الدلالي والمغايرة والقدرة على الإدهاش، والتكثيف والعمق والتنوع الذي يحدث قدراً من الدهشة والتفاعل .. وعلى النص الشعري الناجح أن يتميّز أيضا بالاتساع الدلالي وأن يمنح المتلقي خيارات متعددة للتأويل، متبنياً منطقاً ما، حتى إن اختلف هذا المنطق عن المنطق الحياتي والبديهي، إذا ما اعتبرنا أن البعد عن المنطق بمفهومه التقليدي هو في حد ذاته منطق، حيث الإسراف في الذهنية الذي يخرج النص الشعري من حالة الغموض الرائعة إلى مدى متسع من التأويلات الفكرية والحسية الجميلة ..!

من دون أن ننسى أن لغة الكتابة الشعرية تسهم بشكل أوّلي في تشكيل جماليات النص الشعري النموذجي، فكلما استطاعت اللغة أن تحدث نوعاً من التشابك والثراء أصبح هذا إضافة جمالية للنص، فالمبدع الحقيقي هو الذي يستطيع أن يجعل لغة النص تأسر المتلقي ليذوب معها، والمبدع هو الذي يستطيع أن يوظف مفرداته بشكل جيد، ويتعامل مع اللغة ككائن ينمو ويتطور ليمنح التركيبات اللغوية زخماً دلالياً يفوق بكثير معناها المعجمي الضيق، ويضيف لنصه ملامح جمالية مهمة، إذا ما أضفنا إلى ذلك أنه من المهم أن يعي جيداً أن هناك من هو في شراكة معه ضمن العملية الإبداعية، سواء كان المتلقي في بؤرة اهتمام المبدع أو خارجها، لأن المبدع في الأساس هو متلق، بل هو المتلقي الأول لإبداعه، إذن، نحن أمام منظومة جمالية إذا ما أحسن استثمارها تنتج نصاً شعرياً ذا نسق جمالي غير الذي منحه إياه كونه شعراً.

ومن الشعراء الذين يقدّمون القصيدة الشعرية الحديثة بتجلّيات أدبية وجمالية وفنية في الساحة الشعرية العربية حاليا، نذكر هذه الأسماء: العراقي يحيى السماوي، والفلسطيني جواد الهشيم، وهزبر محمود، و الأردني غازي الذيبة والمغربي أحمد حضراوي.

*كاتبة مغربية في المهجر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق