أخبارمنبر حر

مجادلة علمانيين تابع

الدكتور الصديق بزاوي

bzaoui

أما بالنسبة لإيران التي تشكل نموذجا فاشلا (حسب زعمهم )، لتجربة تنزيل مشروع ” الدولة الإسلامية ” في الفترة المعاصرة، وذلك منذ قيام الثورة الخمينية سنة 1979، والتي أعلنت قيام (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، فإن هذه التجربة قد تمكنت من إسقاط نظام استبدادي عميل للصهيونية العالمية .. وأن ذلك الإنجاز العظيم يعتبر فريدا من نوعه في العالم الثالث الذي يعاني من الانقلابات العسكرية، والخاضع في غالبيته لجبروت الحكام والطغاة، لكن أبواق المتعلمنيين وأقلامهم لم تتوقف من توجيه انتقادات مجانية جوفاء لسياسة إيران واتهامها بالماضوية والاستبداد باسم الإسلام، وتطبيق مبدأ (الحاكمية ) والتي لا يمكن، كما يدعون، أن تتعايش مع الديمقراطية لكونها تتعارض مع سيادة الشعب وتدعو إلى سيادة اللـه .. وبالتالي، سيادة حكام يستبدون باسم الدين، وذلك ما يصطلحون عليه الحاكمية.

أما بالنسبة للتجربة في حد ذاتها، فسبب الالتباس الذي يقع فيه بعض العلمانيين ذوي النيات الحسنة، فقد يرجع إلى جزء من الفقه الشيعي، وخاصة المذهب المعروف ب (الإثني عشرية) وما يتعلق منه بالعصمة .. وهذه العصمة تقتضي تقديس الإمام علي (كرم اللـه وجهه ) واثنى عشر من أولاده وأحفاذه .. ورغم ما يقال عن نظام الحكم في إيران وبعض خصوصيات الفقه الذي يعتمده ( الشيعة) وما يثيره من جدل وانتقادات حتى من طرف فقهاء الإسلام الذين ينتمون إلى ما يعرف ( بالمذاهب السنية)، فهاهي الدولة الإسلامية الفتية تمارس في الواقع جل الأساليب وآليات الديمقراطية المعتمدة لدى الدول الغربية، وذلك كانتخاب مؤسسات الدولة كمجلس الشورى ورئيس الجمهورية .. وتعرف تداول السلطة بين قطبين سياسيين: التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، وتفصل بين السلطات، وتستمد سلطتها من الشعب عن طريق الاستحقاقلت، شأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة الأمريكية وابريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي تسمي نفسها ب “الديمقراطيات”.

وصحيح أن دستور الجمهورية الإيرانية، يضع قائد الثورة الإسلامية ( المرشد الأعلى) على هرم النظام السياسي، ويخوله سلطات واسعة لتحديد السياسة العامة للدولة والإشراف على سير السلطات الثلاثة، وهذا الأمر لايتعارض مع جوهر الديمقراطية لكون (الولي الفقيه) يتم انتخابه من طرف (مجلس الخبراء )، وأنه يخضع للمحاسبة والمساءلة، ويتعرض للعزل وفق الأعراف الديمقراطية .. وأن ظاهرة تقديس الأئمة أصبحت جزء من تاربخ الشيعة منذ اختفاء آخر الأئمة المعصومين “المهدي ” .. ورغم هذه الحقائق، فإن خصوم هذه القوة الإسلامية الناهضة، يتخذون من ولاية الفقيه، ذريعة لاتهام النظام الإسلامي في إيران بالاستبداد و تمركز جميع السلطات في هذا المرشد الذي يحكم – حسب زعمهم- نيابة عن اللـه .. وأن القضاء غير مستقل عن السلطتين .. فكيف، والحالة هذه، يتجرأ ذووا الثقافة الأحادية باتهام النظام الإسلامي عموما بالاستبداد، ويصفون حكامه بادعاء القدسية والنيابة عن الإله .. فهلا تحمل هؤلاء بعض العناء للرجوع إلى مصادر أكثر ثقة، بدلا من الاقتصار على مصادر منحازة إلى معارضي الصحوة الإسلامية الكثر من أجل اتخاذ مثل هذه المواقف الظالمة في حق تجربة سياسية تتبنى الديمقراطية في إطار الإسلام ..؟ كما تجب الإشارة إلى أن هذه التجربة الإسلامية في إيران، تجربة تنفتح باستمرار على التجارب البشرية، وتفسح المجال لحكم الأغلبية بشكل أوسع، حيث تشمل أغلبية خيرة وعددية في نفس الوقت، وتعرف تحولات ثقافية واجتماعية، مما يعطيها طابعا تقدميا .. وهذا ما يؤكد أن إيران تستفيد من إيجابيات الديمقراطية بمفهومها الغربي وتغنيها ببعض الخصوصيات التي تشكل قيمة مضافة، وكل ذلك عكس تبني النموذج المفروض على الدول تقليده بشكل لا يعطي مجالا للإبداع فيه إلا لواضعيه.

أما ما يدعيه العلماني بأن التجربة الإيرانية تشكل نموذجا لفشل تجارب الدول التي اعتمدت المرجعية الإسلامية، فإن العكس هو الصحيح، فقد تمكنت هذه الدولة من أن تصبح قوة إقليمية يضرب لها ألف حساب، وأن تحقق نهضة سريعة في مجالات مختلفة من العلم كالطب والتكنولجيا النووية والصناعات الفضائية والحربية، وأن تكون مستقلة في قراراتها.

ورغم كل ما قلناه في حق هذه المحاولة لتنزيل مبادئ الشريعة الإسلامية على الواقع، فإن هذا الإنجاز السياسي يظل عملا بشريا مدنيا له ما له وعليه ما عليه .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق