أخبارمجتمع

الأعراس التاوناتية و سؤال المواطنة

200556

ذ. عبد اللـه عزوزي
الأصل عند المغاربة هو الاختلاف، أما الاتفاق أو الإجماع قد يكون مجرد استثناء عابر .. فلقد اختلفوا مؤخرا حول “النوايا الدفينة لحركة 20 فبراير”، كما اختلفوا حول مدى صوابية إصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية التي قام بها بنكيران إبان و لايته الحكومية (2012-2016) .. فإن اختلفوا حول النضال الجاد و تسيير الشأن الوطني المسؤول، فلا أحسبهم أنهم سيتفقون في ظاهرة تضع القرح و الفرح وجها لوجه، بل تجعلهما أحيانا كثيرة و جهان لليلة و احدة

الظاهرة التي أقصد هي ظاهرة الاحتفال بالأعراس في مدينة تاونات بشكل علني و شامل (نسبة “لأسلحة” الدمار الشامل)، يمتد من بعد صلاة المغرب مباشرة إلى حدود ما بعد آذان الفجر .. قد لا يكون هناك إجماعا حول إدانة الظاهرة، خاصة و أن الأمر مرتبط، عند البعض، بالحق في الاحتفال، و الحرية في الاحتفاء بما يسمى شعبيا ب”ليلة العمر”.

في مدن عديدة من المملكة، أصبحت ظاهرة إحياء حفلات الأعراس فوق أسطح المنازل و العمارات – و ما يرافقها من مظاهر تضرب حرية و راحة الغير عرض الحائط، دون مراعاة لظروف الجيران التي قد يكون ضمنها الحزن بسبب فقدان قريب، أو مرض إنسان، أو هشاشة عجوز أو رضيع، أو موعد طالب علم مع امتحان أو مقابلة توظيف – جزءاً من الماضي، بعدما راكمت تلك المدن وِلاياتٍ مُتعددةٍ من التدبير الجماعي و الاقتصادي، بحيث أصبح الناس يفكرون في الاحتفال بزيجاتهم في قاعات الحفلات العمومية التي غالبا ما تكون في أماكن بعيدة عن السكان، توفيرا لراحة النائمين و محاصرة للتلوث الصوتي (Noise pollution) .

غير أن الأمر في تاونات، فيما يخص الأعراس، لا زال يقول الكثير عن الوعي الجماعي لدى ساكنة هذه المدينة، دون أن يَغفَل الإشارة بأصابع “القصور” إلى السلطات المنتخبة، و المعينة على حد سواء، في قدرتها على تدبير الآثار السيئة لمكبرات الصوت التي تشرع في الاشتغال بمجرد غروب الشمس، و لا يجبرها على التوقف إلَّا فلق الصبح و تعب الساهرين و الساهرات.

فمع بداية فصل الربيع لهذه السنة، مرت لحدود اليوم عشرات الحفلات أحيتها “أصوات رجالية و نسائية مسجلة على أقراص”، تضرب، و لكنها لا تطرب، ولن يكون عملها محموداً حتى و إن أطربت، ما دام الليل في السنن الكونية و البشرية هو للراحة و تجديد النشاط من أجل الاستعداد لعمل اليوم الموالي، أو لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً.

فثقافتنا، التي نقول عنها أنها إسلامية، و أمدتنا بالخيوط العريضة لفهم الحياة و استيعاب حقائقها، يبدو أن معتنقيها قد غضوا الطرف عن انتهاكات مزامير جيرانهم، دون أن نستطيع معرفة السبب وراء ذلك .. هل لأنهم سقطوا ضحايا الطرب الجهري، أم احتراما لحاجة جيرانهم في التعبير عن فرحتهم، أم أنهم ينتظرون أن تتحرك العمالة لتأطير المشهد (بمذكرة عاملية تحدد الحدود الدنيا للمرونة) على شاكلة الطريقة التي أطرت بها الدولة الحقل الديني و التظاهرات و المظاهرات، و التجمهرات السلمية الغير المرخصة، خاصة وأن بوادر “العام زين” تنذر بليالي ساخنة و صاخبة في القادم من الأيام و الشهور ..؟

هذا، و يستحيل أن تجد في ما يسميه المغاربة ب”دار الكفر”، كأمريكا و كندا و أوربا، عائلة مسيحية تصعد لسطح منزلها (الغير موجود أصلا) و تنصب بطاريات لإطلاق الأصوات، كما لو أنها في حرب تحرير للإنسان و المكان .. فهي لن تفعل لأنها تُدرك جيدا أن الأمر ليس محمودا، و لا مقبولا، لا في ميزان الدين و لا في ميزان المواطنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق