أخبارنافذة على الثقافة و الفن

بين القيمة المضافة والانتهازية في الخطابين السياسي والفكري ..!

 

عادة ما يكون مشروع المتاح سياسيا للنقد أو الإبداع اتجاه الواقع الذي يعبر عنه يستهدف تشخيص متناقضات هذا الواقع المجتمعي بغرض تحصينه أو تغييره وفق المحدد في هذا الخطاب السياسي لأهداف وأجندة وبرامج ومشاريع للنهوض به، أو لصيانته، بينما لا يكون المتاح فكريا كمشروع علمي أو أدبي أو فني أو روحي بنفس الأهداف المحددة لشرعية إنتاجه بالنسبة للذات المفكرة أو المنتجة له، وهذا ما يخلق وضعا إشكاليا في العلاقة بينهما حول أيهما أفضل وملائم لكي يكون داعما وموجها ومرشدا، أو مضادا وناقدا لشرعية الآخر

 

 

إن السياسي حينما يكون جاهزا للتوظيف التأطيري والنضالي والتطبيقي يتحرر من مضمونه الفكري، لكن تكون مسودة عمل وسلوكات ومواقف وتوجهات وإيديولوجيا للاستئناس بها في محاولات ترجمتها في الواقع المجتمعي الذي تعبر عنه، وغالبا ما تكون رؤيا الجماعة أو الحزب أو التيار الذي يوجد فيه ما يحتاج إليه للدفاع عن أهليته وجدارته في إنجاز ما دونه في برنامجه الانتخابي أو التنموي الملائم لرؤياه السياسية الحزبية أو المجتمعية، وهذا ما لا يحدث للخطاب الفكري الذي يتجاوز هذا الارتباط بالواقع إلى محاولة التحرر منه والاشتعال عليه في الموضوع الذي يوجه عنوان المضمون الفكري الذي يناقشه ويحلله ويفكر في عناصره ومحاوره، دون الشعور بالضغط الذي يكون عليه السياسي في تعامله مع الواقع الذي يعبر عنه حتى لا تكون نتائج الفكري مطابقة للتوجهات المجتمعية في الغالب

 

 

إن العلاقات إشكالية وملتبسة دائما بين السياسي والفكري، ونادرا ما يكون التفاعل الإيجابي بينهما، وهذا ما يشعر به من يشتغلون على الفكر في السياسة، ومن يحرصون على السياسي لإخضاع من يراهنون على الخطاب الفكري لإغناء الممارسة السياسية الميدانية، حتى أصبحنا في الوقت الحاضر نلاحظ نفورا واضحا للسياسيين من المثقفين والمفكرين، مما جعل هذا النفور يؤثر في الواقع المجتمعي الذي أصبح ضحية التفرد والتطرف في إصدار الأحكام القيمية لكل منهما اتجاه الآخر، وهذا ما يستدعي تطويق الفجوة ومحو هذا المنظور السائد الآن الذي جعل كلاهما غريبا عن الآخر إلى الدرجة التي أصبحت تقتضي تشجيع الخطاب الفكري لإنقاذ السياسي من الرتابة والجمود والعبثية والنفعية، كما نرى ذلك بوضوح في عجز السياسي على القيام بوظائفه

 

 

إن كلا من الفكر والسياسة في أي مجتمع يتطلبان التواصل والتفاعل والتجاذب والتقاطع المفضي إلى النمو والتطور والفعالية المحققة للأهداف المعلنة والمشفرة لكل منهما في المجتمع الذي ينتمي إليه، وجعل نموذج العلاقة بين السياسي والفكري ما يطرح أكثر من علامة استفهام، في ظل فشل كل منهما في القيام بوظيفته في المجتمع الذي يكاد يصاب بالجلطة المرضية المميتة، والعجز على تجديد جيناته وتطوير وظائفها في النهوض بالمجتمع في السياسة والفكر كدعامات للتطور المجتمعي السياسي والاقتصادي والثقافي .. وأظن أن هذا الاختلال في العلاقة بينهما يجب أن يزول ويتحول إلى علاقات تفاعل وتكامل وأندماج لصالح المجتمع الذي يعبر كل منهما عن ما يريده هذا المجتمع منهما في الحاضر والمستقبل، بعد غربلة الماضي المشترك بينهما لصالح ما يحسن العلاقة بينهما في مجال اشتغالهما السياسي والفكري .. فهل سنرى تحركات منتجي الفكر اتجاه موظفي السياسة والمراهنين عليها ..؟ وبالمقابل هل سيغير السياسيون مواقفهم من حملة الفكر من أجل تعبئتهم لتطوير الممارسة السياسية في نهاية المطاف ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق