أخبارمنبر حر

“خرافة” نهاية أسطورة صحيح البخاري – تـــابع

د. الصديق بزاوي

بزاويالسـنـــة النبويـــة

لا تخفى أهمية السنة النبوية ومكانتها في الشريعة الإسلامية، حيث إنه تبين المبهم وتقيد المطلق وتفصل المجمل، فقد كان من المنطقي أن تهتم بكل كبيرة وصغيرة، مهما كان موضوعها .. ومن الأحاديث النبوية الشريفة، قوله صلى الله عليه وسلم: ” تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”. (1)

أما بالنسبة للممارسة السياسية للرسول صلى الله عليه وسلم، فنشير إلى أن الإسلام” ظهر في مجتمع لم تكن فيه دولة، وأن الدولة العربية الإسلامية نشأت بصورة تدريجية .. لكن، بوتائر سريعة، وذلك من خلال انتشار الدعوة الإسلامية وانتصار النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه المتربصين بالدين الجديد، والدخول في علاقات واسعة مع امبراطوريات عريقة وإبرام معاهدات مع قبائل وأقليات غير مسلمة، ورغم اتخاذ كل هذه الإجراءات ذات الطبيعة السياسية فإنه ” ليس من الممكن إطلاقا الجزم بشيء حول ما إذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد وضع جملة أهدافه في بداية دعوته إنشاء دولة”. (2)

نفهم من كل هذه الحقائق الثابتة أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو المكلف بتبليغ الدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء – قد مارس السياسة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، وقام ببناء دولة ووضع كل ما تستلزمه من مؤسسات وقوانين لتنظيم العلاقات الداخلية والتعامل مع الدول الأخرى، وذلك بطبيعة الحال وفق ما تقتضيه ظروف زمانية ومكانية محددة وبيئة دولية معينة.

إن الأدلة المشار إليها لتؤكد أن الدين الإسلامي يتميز بطابعه الشمولي، وأن الشريعة الإسلامية تشرع للعالمين كل ما من شانه أن يهديهم إلى سواء السبيل في الدنيا وفي الآخرة – وهذا مايؤهلها لتشكل نظام حياة وكسب ونفقة ونظام وطن وحكم ونظام، دفاع وسلم وحوار وتعاقد ونظام علم واكتشاف، وبحث واجتهاد بقدر ما تشكل عقيدة وعبادات وآخرة وجزاء —

وإذا كانت بعض آيات القران الكريم تشكل قواعد عامة وإشارات تحتاج إلى كثير من الجهد من أجل تدقيقها وتخصيصها – فإن آيات كثيرة تشكل قواعد تفصيلية، وذلك كالآيات المتعلقة بكاتبة التداين ذي الطبيعة المدنية بخلاف التداين في التعاملات التجارية التي يجوز ضمانها عن طريق الرهان، نظرا لما تتطلبه التجارة من سرعة التداول وتكراره عكس التعاملات المدنية – وكذلك الآيات التي تحدد بعض السلوكات الإجرامية والعقوبات المخصصة لها، والآيات التي تضبط علاقات المسلمين بغيرهم كأهل الكتاب والذميين والمعاهدين –

وبالطبع، فإن تأسيس الدولة الإسلامية لم يكن هدفا في حد ذاته، وإنما وسيلة ضرورية لإقامة الدين .. كيف لا و هو الذي قال لعمه أبو طالب عندما أرسله كبراء قريش ليعرض عليه الملك والجاه والغنى مقابل التخلي عن دعوته – والها ياعم لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري ماتخليت عن هذا الدين، فما ابلغ هذه القولة وما أعظم هذا الموقف الذي رفض فيه نبي الهدى الملك من أجل الملك وكل مايترتب عنه من سلطة وجاه وثروة وما أقوى عزيمته صلى الله عليه وسلم على تبليغ رسالة العدل ونصرة المظلومين وزهق الباطل – وكل هذه الأمور لايمكن تحقيقها بدون إنشاء مؤسسات وهياكل وتوفير إمكانات مادية وبشرية، وكل ذلك استلزم إحداث نواة للدولة الإسلامية من أجل سياسة الدنيا بالدين – وقد اتضحت السياسية لتجمع المسلمين بعد الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، حيث اندمج الجانب العقدي والدعوي بالجانب السياسي الذي فرضه الواقع وأطرته الشريعة واجتهادات المسلمين – ولعل تحرير مايعرف بالصحيفة يشكل أول إنجاز في هذا المسار، حيث يعتبر بمثابة دستور قنن علاقات المسلمين البينية، و فيما بينهم وبين الأقليات غير المسلمة –

أما مسألة التدرج الذي تميز به ظهور هذه الدولة المتميزة فمسألة طبيعية اقتضتها طبيعة مجتمع عرب الجاهلية الذين عاشوا في ظل نظام قبلي تهيمن عليه العصبية، كما اقتضاه تدرج تبليغ الدعوة ونزول الوحي، وكذلك الأحكام التي أتت بها الشريعة الحكيمة، والتي يتطلب تنفيذها وجود سلطة سياسية، وذلك كأخذ الزكوات والجزية وتوزيع الغنائم وتجهيز الجيش و وضع المعاهدات والمواثيق، وحل الخلافات والفصل في المنازعات –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق