أخبارالدين و الناس

النظافــة ومكانتها في الإســـلام

د. ادريس البوخاري

النظافة في الإسلام تدل على صحة الأجسام وجمالها ونظرتها والعناية الفائقة بها واعتبرها من صميم رسالته، وذلك لأن أثرها عميق على تزكية النفس وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة، وقد بين رسول اللـه أن الرجل الحريص على نقاوة بدنه و وضاءة وجهه ونظافة أعضائه يبعث على حاله تلك يوم القيامة، والنظافة هي الطهارة والنزاهة والنقاء والبراءة والخلوص من الأدناس والأقذار حسية كانت أو معنوية


الحسية طهارة متعلقة بالبدن والملبس والمكان، وهي تتضمن جوانب متعددة بالنسبة للفرد والمجتمع، مثل نظافة المكان والملبس والبدن، بما في ذلك تنظيف الفم والغسل وإزالة الأقذار والروائح الكريهة، وكل ما يتأذى منه الآخرون، سواء العبادة أوحال الانفراد أوحال الاجتماع بالآخرين في مختلف الأمكنة

 
المعنوية نزاهة واستقامة متعلقة بالسلوك والأخلاق، وفي اصطلاح الفقهاء، هي رفع حدث وإزالة نجس وما في معناها أو على صورتهما، قال اللـه تعالى : ( ولا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا، واللـه يحب المتطهرين) التوبة 108

فلا بد وقبل كل صلاة أن يتطهر الإنسان تطهرا تاما والتوضؤ واغتسال الجسم غسلا جيدا في أحيان كثيرة، فقد قال اللـه تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه، ما يريد اللـه ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) القرآن الكريم سورة المائدة الآية: 6

أوصى الإسلام بحسن المنظر، قال اللـه تعالى : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) قرآن كريم سورة الأعراف الآية : 31

وقيل : ” إن اللـه جميل يحب الجمال ” وجاء في إحياء علوم الدين للإمام أحمد الغــزالي رحمــه اللـه في الجــزء الأول بالصفحة مائة وإحدى عشر في أول كتاب أسرار الطهــارة .. قال النبــي ( ص ) : ” بُنـي الدِّيــن على النَّظــافة ” وقال : ” الطهور نصف الإيمان ” و ” تنظَّفوا فإن الإسلام نظيف ” .
وقال : ” النظافة تدعو إلى الإيمان ” ولا شك أن النظافة لها تقديرها الكبير في التشريع الإسلامي، لأنها من العوامل الأساسية في المحافظة على الصحة التي هي من أكبر نعم اللـه على الإنسان، كما صحَّ في الحديث : ” نِعْمتانِ مغْبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ” رواه البخاري

للنظافة مجالات كثيرة، ففي نظافة البدن شَرع الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة، بما فيه من تعهُّد للأعضاء التي يَكْثُر تعرُّضها للتلوث، وبما فيه من حثٍّ على العناية بالاستنشاق والمضمضة مع استعمال السِّواك وتأكيد استحبابه، وشَرع الغسل لأسبابه المعيَّنة، ونَدَبَه في مناسبات عدَّة، وبخاصة عند الاجتماع والازدحام، كما في صلاة الجمعة والعيدين، وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: ” حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا، يَغسل فيه رأسه وجسده ” وروى مسلم حديث: ” إنَّ اللـه جميل يُحب الجمال ونَدَبَ إلى التزيُّن والتعطُّر وحُسن الهِنْدام وتَسْوية الشَّعر وقصِّ الأظافر وإزالة شعر الإبِطَين والعانة، وما إلى ذلك من ضروب النظافة

شَرع غَسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده، وعدم غَمْسهما في الماء قبل غَسلهما إذا استيقظ من نومه، فإنه لا يدري أين باتت يدُه – وبخاصة مَن يَنامون في العَرَاء ويفترشون الرمال بجوار الإبل والحيوانات الأخرى – وحذَّر من النوم قبل غَسل اليدين من أثر الطعام، وبخاصة إذا كان فيه دَسَم تَجذِب رائحتُه الهوامَّ والحشرات فتَضرُّه، وكل ذلك وردت به الأحاديث

في نظافة المَلْبس والمسْكن والشارع والأمكنة العامة يقول سبحانه : ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) القرآن الكريم سورة المدثر، الآية: 4 وباب النجاسات وإزالتها واشتراط طهارة الثوب والمكان في الصلاة واضح ومُفصَّل في كُتُب الفقه


في الحديث : ” أصْلحوا رِحَالَكم ولِبَاسكم حتَّى تَكُونوا فِي النَّاس كأنَّكم شَامَةٌ “أي ظاهر وعلامة في البدن رواه أحمد

 ورد في مسند البزَّار عن النبي (ص) أنه قال: “إنَّ اللـه طيِّبٌ يُحبُّ الطَّيِّب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظِّفوا أفْنَاءكم وساحاتِكم، ولا تَشَبَّهوا باليهود يَجْمعون الأكب في دورهم

 الأكب: الزبالة، وإصلاح الرِّحال أي المساكن عام يشمل كنْسها وتهْويتها وتعريضها للشمس وتطهيرها من الحشرات المُؤْذية وما إلى ذلك، وحثَّ الإسلامُ على إماطة الأذى عن الطريق وعَدِّها صدَقة، كما رواه البخاري ومسلم


في الحديث، أن النبي (ص) قال : ” اتَّقوا الملاعن الثلاث، البُراز على قارعة الطريق، وموارد المياه، ومواقع الظل “، رواه ابن ماجه وأبو داود – ونَدَب إلى تغطية أواني الطعام والشراب، حِفظًا لها من التلوث أو الفساد بما يَنْقُلُه الرِّيح أو الذُّباب مثلًا كَمَا رواه مسلم

 هذه بعض التَّشْريعات التي تدلُّ على عناية الإسلام بالنظافة في كل شيء، وليست النظافة في الماديات فقط، بل في المعنويات أيضًا من العقائد والأفكار والأقوال والأفعال والضمائر والنيات وما إليها .. والذين يُهملون فيها مُخطِؤون، لا نُحِب أن يكونوا كالذين يؤمنون ببعض الكِتَاب ويكفرون ببعض، ولا نَنْسى في هذا المجال حُرْمة تلويث البيئة بأي ملوِّث حتى بالرائحة الكريهة ( كالدُّخَان والثَّوْم والبَصَل والعَرَق، وحتى بالأصوات المُزْعِجة المُقْلِقة للرَّاحة)

كل ذلك وَرَدَتْ به الآثار، والمُقصرون مخطؤون، ومن تم أقيمت المراحيض في كل مكان وفي كل مسجد أو دار، و وضع أماكن معزولة لقضاء الحاجات في أماكن معزولة حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم، كما نهى النبي عليه الصلاة والسلام، أن لا يبال في الماء الراكد، والكلام في هذا كثير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق