اتفقنا أو اختلفنا، فما عبرت عنه ميزانية 2021، لا يخرج عن النسخة التي كنا نؤثث بها معارضتنا للسياسة العمومية المالية، في عهد الحكومات المتعاقبة .. فالحكومة الحالية منذ تنصيبها في نسختي عبد الإله ابن كيران وسعد الدين العثماني، وجدت في الاستدانة من المؤسسات الدولية المخرج لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها، وعن طريق هذه الاستدانة، عمقت تراجع سيادة الدولة على قرارها الحكومي في تدبير الشأن العام .. فكيف يمكن لها أن تتخلى عن هذا الحل السهل الذي أغرق الوطن في المديونية، التي سيكون من الصعب على الحكومات المقبلة تصفيتها، في ظل ندرة الموارد وتفاقم النفقات، والحرص على السياسات التفقيرية التي بخرت جيوب عموم فقراء الوطن، بما فيهم الطبقة الوسطى، التي التحقت رسميا بالطبقة المسحوقة في المجتمع ..؟
إن قانون مالية 2021، في غياب أولويات تنموية للحكومة والرؤيا النقدية البديلة للمعارضة البرلمانية والنقابية، يشرح بالملموس صدقية ما قلناه أعلاه، ويؤكد على الجهل المركب والانصياع بدون مقاومة لنصائح التفقير، المعلن عنها من المؤسسات المالية الخاضعة لتوجهات الشركات والأبناك والدول الغربية التي تبحث عن الأرباح من القروض التي تمنحها الدول النامية .. ونظن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب الأخرى التي تحالف معها في عهد ابن كيران والعثماني يعترف (الحزب) أن الحكومة التي يقود تحالفها تفتقر إلى المنظور التنموي في برنامجها الذي وصلت به في الولايتين التشريعيتين للحكومة، وإلى الرؤيا الاقتصادية المتحررة من التوجهات المعادية لتطلعات المواطنين المشروعة، التي داستها سياساتها التفقيرية في القرارات اللاشعبية، كتحرير الأسعار وإلغاء صندوق المقاصة، وتقليص فرص الشغل، وضعف الأجور التي لم تعد قادرة على تأمين الحد الأدنى من الاستهلاك اليومي، والزيادة في تعميق الفوارق الطبقية الوسطى، والاستمرار في الفوارق المجالية والجهوية في تدبير الميزانية السنوية
أي قراءة نقدية وتنموية للمعارضة في مشروع ميزانية 2021، كهذه التي تتصدرها الخربشات اللغوية للأجهزة القيادية في الأحزاب المشاركة والنقابات المركزية، التي اكتفت جميعها بالأوصاف التي تعكس ضعفها وابتعادها عن الإحساس بثقل المسؤولية التي تمارسها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة .. فماذا تعني كلمات هجين وفاشل في قانون المالية بالنسبة لهذه الأحزاب التي وافقت على التدبير الحكومي القائم على المديونية، وضعف الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، وغياب الترشيد، والتخليق في المرفق العمومي والخاص، والإجهاز على المكتسبات الدستورية والحقوقية، والعجز على إحداث التحديث والتقويم والحكامة في الإنتاج الاقتصادي والخدماتي، والارتهان لتوجيهات ونصائح المؤسسات المالية التفقيرية الدولية، وحتى الذين يتحدثون بالازدواجية في مواقفهم عن التضامن الذي يتعلق بفرض الضريبة النظامية في الأجور مؤخرا، لا يختلفون مع الأحزاب والنقابات التي تحاول تبرير سلبية وجودها، ونضالها اليوم ضد تداعيات كوفيد 19 العالمية
لا يستطيع المحسوبون على حزب العدالة والتنمية بعد فضيحة سوء التواصل مع الرأي العام الوطني، التي لجأ إليها إدريس الأزمي، رئيس الفريق البرلماني للحزب، لإعادة الدفء والثقة إلى حزبه من الذين ينتقدونه في ولايتي ابن كيران والعثماني .. فاتهاماتهم عجلت بنهاية تعاطف المواطنين مع هذا الحزب، وسيكون من الصعب استعادة إشعاعه في الانتخابات المقبلة، بعد اتساع رقعة الفشل في تدبير الحزب للشأن العام، كما يبدو في مشروع ميزانية 2021، التي لم يتمكن فيها الحزب من معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ولا اقتراح الحلول لمخلفات جائحة كورونا، ولا طرح البديل للنهوض التنموي الذي يحتاج إليه الوطن في جميع المجالات، بعد أن فشلت سياسة إطفاء الحرائق التي اعتمدها الحزب في الولايتين، مما يعني بالملموس، أن الخروج من الحكومة مؤكد، وأن إفلاس الحزب وتفجيره قادم، كما تترجمه الانسحابات من صفوف الحزب الذي سيدخل الانتخابات المقبلة في أسوأ حال، كما حدث للأحزاب التي سبقته في تجربة التناوب الأولى والثانية
إن ميزانية 2021، كما قدمتها الحكومة قبل المصادقة البرلمانية عليها، لا تعكس إلا مجهود التكنوقراط في وزارة المالية، الذين يتحركون بالتوجيهات والتعليمات، وليس فيها أي مجهود في البحث والتفكير والتخطيط، وغير مؤهلة للوفاء بالالتزام والتعاقد الذي يربط لحكومة بالقاعدة الناخبة، وعلى الحزب الذي يقودها أن يعلنها صراحة أنه لا يملك شيئا، سواء في صياغة الميزانية وتحديد أهدافها التي لا تزال دون انتظارات المغاربة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية
