أخبارمنبر حر

للذكرى / ما أروعك أيها الفساد ..؟ !

ذ.عبد اللـه عزوزي

أول شيء يبهرني فيك أيها الفساد هو قدرتك على الإغراء؛ لقد هوى في قعر حبك الجميع بعدما زينت لهم و سحرت قلوبهم .. أحباؤك وأصدقاؤك كثر، وهم يعملون ليل نهار، بدون كلل أو ملل، تقربا إليك، يلتمسون دفأك في البرد، و يستظلون بظلك في الصيف .. أحباؤك يؤمنون بك حتى النخاع، و يقولون أنك ولي نعمتهم و المنعم عليهم .. بطاقة عضوية الانتساب إليك لا تكلف أكثر من قرار دقيقة .. الكفر المطلق باللـه و تكذيب الحديث، وعدم اعتبار الدنيا فانية مفنية، بل خالدة و مخلدة

ما أعظم حنكتك، لقد أخلطت أوراقنا و بعثرت مفاهيمنا و انهار عالينا على سافلنا، و لم نعد قادرين حتى على عد أصابعنا من فرط غبارك و رياحك الهوجاء، لقد أطفأت النور الذي بأبصارنا و بصائرنا، و جعلتنا كالذئاب الجائعة التي تلهث و راء كل شيء و تمني نفسها بأكل أول جيفة تصادفها على الطريق، لقد نجحت في كل شيء و أنطقت الجميع، و فتحت أعين الكل كرها .. لكن، للأسف على الخراب و الدمار و الثروة المنهوبة

أنت من جعلت أولي الأمر منا يقفون أخيرا على حالة الضياع، التي خلفها تسونامي معتنقيك و الذي أتى على كل شيء و قتل الرغبة في البقاء عند الصغير و الكبير، لقد جعلت قائد البلاد، و هو يرى كيف اشتد عودك و كثر ضحاياك، و انضممت إلى قائمة أخطر ملوثات البيئة، يتساءل باستغراب مع المغاربة : أين هي الثروة ..؟

هل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط ..؟

إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فإن الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين .. ذلك، أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة ..!

تلويثك لبيئتنا الاجتماعية واضح و مفهوم، فلقد أضللت الجميع، و أذللت كل عزيز، و ثمنت كل تافه، و قتلت الثقة و أهنت الكرامة، و سقيت ضيعة الرشوة فزادت اخضرارا و ازدهارا، و صفدت كل ساع للعدل، و أخرست كل ناطق بالحق؛ وما من “معقول” إلا أهنته و سخرت منه، و ما من تفاهة و مضيعة إلا بجلتها و نفخت فيها من أنفاسك الشريرة

أنت أيها الفساد، جعلت زماننا يتبخر و يذهب سدى، كما لو أننا كنا نائمين مدى الدهر .. أنت الذي جعلت زماننا غير زمن تركيا، وهي التي كانت تنعت إلى عهد قريب “بالرجل المريض”؛ فإذا كان المواطن التركي قد صنع فرقاطته بعقله و يديه في غضون الخمسة عشرة سنة الماضية، فإننا نحن المغاربة لا يكلفنا ذلك سوى استقبالها بميناء الدار البيضاء، قادمة إلينا “كهدية” من عند “ماما فرنسا”

 و إذا كان الأتراك قد غرسوا مليارين و 770 مليون شجرة، فإننا هاهنا اقتلعنا نظيرها بالتمام و الكمال، تحت وطأة الجشع و الرغبة في الربح السريع، فاستبدلنا أشجار النخل و الزيتون و التين بنبتة القنب الهندي التي لا تصلح لظل، و لا لصنع طاولة، و لا تحظى حتى بثقة عصفور فيتخذها عشا لأبنائه .. لقد استدروا الأمطار مدارا، وجلبوا الظل و الطبيعة وأحيوا الماء قبل أن يحييهم؛ إن ما فعلته بغاباتنا وعرصاتنا سيتركنا نموت جميعا تحت ضربة الجفاف، كما يموت السمك في الأنهار و البحيرات التي تجف

 و إذا كان الجد و القيم قد نقلت تركيا من الترتيب 111 إلى المرتبة 16 لكبريات الاقتصاديات العالمية القوية، فإنك مازلت مصرا على دفعنا إلى الوراء على كافة الأصعدة، وباستثناء تقدم ملموس و مستمر في الجرائم و الانتهاكات و الانحلال الهوياتي، مفضلا الاستئثار بغنائمك الحرام لوحدك على حساب كرامة و قيمة وطمأنينة المواطنين و الوطن

 و إذا كانت الإدارة التركية، تعتزم تمكين 300000 عالم و باحث من التفرغ للبحث العلمي في غضون العشرة أعوام القادمة، فإن العلماء المغاربة، و حاملي هم العلم و المؤمنين بمشواره و مسالكه، منقسمون ما بين متسول على أعتاب المؤسسات، و من مشتك من استحكام قبضة المحسوبية و الزبونية و الفساد

 وإذا كانت تركيا قد استطاعت أن تؤدي ديونها، التي ورثتها من ماضيها الفاسد، ومستعدة الآن لتقديم قروض للبنك الدولي، فإنك في مغربنا نهبت الصناديق و أكثرت من ظلامها و سوداويتها، وتعتزم الآن إعادة ملئها من عرق و راحة ضمير الأبرياء .. لقد كثر ضحاياك ولن تكون عوائل عمارات بوركون آخرهم؛ لقد دفعت المغاربة لركوب أمواج الموت أو الهجرة في شكل هولوكست إلى إكديم إزيك و بناء خيام فوق رماله، وما زلت تصنع عصابات المافيا و الإجرام و النصب و الاحتيال .. لقد مكنت الأميين والمفسدين من مقاعد داخل المجالس الحضرية و القروية، بل أوصلت ثلة كبيرة منهم لقبة البرلمان لكي يشرعوا لحاملي الشواهد، و أولائك الذين جابوا أنحاء العالم ..!

لقد أبدت الشجر و سحقت الحجر أيها الفساد .. كنا نقول أنك واحد من خفافيش الظلام، لا تخرج إلا تحت جنح الظلام، فإذا بنا نراك مؤخرا تصول وتجول شرقا وغربا، شمالا و جنوبا، برا و بحرا، في واضحة النهار ولا من ضابط لك إلا ما رصدته عدسة العين

فهنيئا لك بصولتك .. فالمنطق منطقك، و الفهم فهمك، والخيارات خياراتك، فسواء ادخرتها أو استهلكتها، فستدخلك التاريخ من بابه الواسع، لكون نهاية معتنقي دينك و محبيك ستكون عبارة عن جثة تنتفخ بشكل رهيب يعجز فيه الأطباء أن يخرجوها من غرفة العمليات، فبالأحرى أن تقبلها القبور ذات المقاس القياسي (standard) المحدود .. حياتك أكبر من أن توصف أو يسبر غورها غواص أو مسكين .. ! فالمجد والخلد لك أيها الفساد؛ وهنيئا لك بمشوارك المتفرد بين القصص و الأمم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق