
بين الشرعية المؤسساتية وعبث النزاعات الشخصية: المجلس الإقليمي لتيزنيت أمام لحظة الحقيقة
مراسلة – عبد اللـه بوعيسى
إن ما جرى في أشغال الجلسة الأولى للدورة العادية لشهر شتنبر 2025 للمجلس الإقليمي لم يكن مجرد حادث عرضي، بل كان مشهدا دالا على مستوى الانحدار الذي قد تبلغه الممارسة السياسية حين تطغى الحسابات الشخصية على روح المسؤولية المؤسساتية، فقد اختار نائب الرئيس الانسحاب من الجلسة بدعوى حضور عضو معارض يعتبره “مُقالا” من الجماعة الترابية التي ينتمي إليها، متناسيا، أن المؤسسات لا تدار بمنطق الإقصاء المزاجي، بل بضوابط الشرعية القانونية ومقتضيات المشروعية الديمقراطية .. ولعل ما زاد المشهد قتامة، هو الانزلاق إلى خطاب التهديد بكشف “ملفات” ضد خصمه، وهو سلوك يضع صاحبه في خانة من يفتقر إلى مقومات الخطاب السياسي الرصين، ويحول المنصة المؤسساتية إلى منبر للتلاسن الشخصي، في حين أن المطلوب هو تدبير الاختلاف داخل حدود ما يسمح به القانون والأعراف الديمقراطية
إن نائب الرئيس، وهو ينسحب من الجلسة الأولى، لم يضعف خصمه بقدر ما أضعف موقعه هو، وأدخل نفسه في مأزق سياسي وأخلاقي عزز من شرعية العضو المعارض، الذي خرج من الواقعة بمكسب سياسي غير متوقع .. فالسياسة لا تقاس بالصوت المرتفع ولا بالوعيد الغامض، وإنما بقدرة الفاعل على ممارسة الفعل السياسي من داخل المؤسسات، بالحجة والإقناع والالتزام بمبدأ التداول الديمقراطي
ونحن على مشارف الجلسة الثانية للدورة العادية المرتقبة يوم 22 شتنبر 2025، تتجه الأنظار إلى اختبار سيكون بمثابة لحظة الحقيقة: فإذا حضر نائب الرئيس دون انسحابه مع حضور عضو المعارضة، فإن ذلك إقرار صريح بأن الموقف السابق كان خاطئا، وهو ما سيضع نائب الرئيس في موقع الضعف أمام الجميع .. أما إذا تكرر سيناريو الانسحاب، فإن نائب الرئيس سيسجل عليه انسحابه في محضر الحضور .. وبالتالي، سيحسب عليه عدم المشاركة في جلسة ميزانية 2026 وهذا ما سينعكس على نائب الرئيس مستقبلا
والخطر الأكبر يكمن في أن يسمح للخلافات الشخصية بأن تتحول إلى ألغام سياسية تفجّر المؤسسة من الداخل، وتضعف هيبتها أمام الرأي العام المحلي .. فالمجلس الإقليمي ليس ملكا للأفراد ولا مجالا لتصفية الحسابات، بل هو مؤسسة دستورية مناط بها تدبير شؤون المواطنين وفق منطق الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والمواطنون الذين ينتظرون قرارات تنموية وخدمات عمومية لن يغفروا لأي طرف أن يجعل مصالحهم رهينة نزاعات شخصية ضيقة، ولن يرحم التاريخ من يختار الانفعال على التعقل، أو من يقحم المؤسسة في لعبة الابتزاز السياسي على حساب الاستقرار
الجلسة الثانية للدورة العادية في 22 شتنبر 2025 لن تكون مجرد محطة عادية، بل ستكون امتحانا حقيقيا لمدى قدرة المنتخبين على الارتقاء إلى مستوى اللحظة، وتجنيب المجلس منزلقات العبث السياسي، وإعادة الاعتبار إلى الممارسة المؤسساتية باعتبارها ركيزة من ركائز الشرعية الديمقراطية