ملفات و قضايا

متى سيتوقف مسلسل الزيادة في الأسعار يا رئيس حكومتنا ..؟ ! ( 2)

إن واقع الاقتصاد الوطني أصبح يستدعي الحلول الجذرية لمظاهر الأزمة، التي يعاني منها سواء في القطاعات الإنتاجية أو الخدماتية، وهذا ما لا تمتلكه الحكومة المغربية الحالية، في ظل الإكراهات المتعددة، التي تواجهها، وساهم افتقارها إلى البدائل الكفيلة بتجاوز تداعيات هذه الأزمة، التي أصبح رئيس الحكومة مطالبا فيما تبقى من عمر حكومته بضرورة الحوار المجتمعي الجاد حولها مع جميع الأطراف المعنية، بدل الرهان على تنفيذ هذه القرارات، التي تضاعف من مساوئ نتائجها في جميع المجالات .. وخصوصا، على واقع المتضررين منها من فقراء الوطن، الذين يشكلون القاعدة العريضة للناخبين، الذين يتطلع بن كيران إلى الفوز بأصواتهم في جميع الاستحقاقات القادمة، والذين سيعاقبونه إذا اعتقد أن سياسته العمومية الاقتصادية ناجحة، وأنهم سيتحملون المزيد من هذه القرارات اللاشعبية المؤثرة على معيشتهم، التي تتجه بفعل هذه السياسة إلى الإفلاس وعدم القدرة على الصمود، لافتقارها إلى أبسط العوامل التي تساعد على نجاحها، وهي القوة الشرائية، التي لا تتلاءم مع ارتفاع تكاليفها، واعتقاد رئيس الحكومة الخاطئ إلى أن قرارات الزيادة في الأسعار ستحقق ما عجزت الحكومات المتعاقبة على تحقيقه، في تطويق الخلل الواضح، بين الموارد والنفقات، الذي يميل لصالح النفقات، والتي لن تمكنه من التوازن الماكرو اقتصادي ومالي، ولا من ترشيد الإنفاق العمومي، ولا معالجة الخلل الاجتماعي، الذي تتزايد نسب بؤسه مع توالي هذه القرارات اللاشعبية في الاقتصاد، التي تمس الفقراء لا الأغنياء .. !
إن مسلسل التحرير في الأسعار، الذي لا يراع واقع أجر ودخل السواد الأعظم من أبناء الشعب المغربي، لن يسمح بمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية، التي يعاني منها البلد، وإن كان السيد رئيس الحكومة يراهن على الاستمرار في الانفراد في إقرار هذه الزيادات، فإننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ننبهه إلى ما تحمله هذه السياسة من مخاطر وكوارث، قد تعصف بحكومته قبل الأوان، وستوسع مساحة الرافضين والمعارضين لبرنامجه الانتخابي، الذي يعبر في وضعه الحالي عن برنامج تحالف حكومي غير منسجم في تحديد الأولويات، التي يسعى إلى تنفيذها، فلا حزب التقدم والاشتراكية يساير توجه التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية في الاختيار الاقتصادي، الذي وجد فيه حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة ضالته، ويهدد من حين لآخر بعدم الاستمرار فيه من قبل رئيس الحكومة، الذي أضحت شهيته إلى الليبرالية الاقتصادية المتوحشة واضحة في تعليقاته وخرجاته حول الأزمة والمعالجات الممكنة لتجاوزها، وفي اختياره لنظام المقايسة لتبرير الزيادات في الأسعار، الذي لم يعد بالإمكان الالتزام به فيما يخص الشق المرتبط بتحسين الأجور والتعويضات للموظفين والعمال، الذين تآكلت قوتهم الشرائية إلى الدرجة التي فقد فيها رئيس الحكومة شرعية الهجوم على خصومه في سياسته الاقتصادية، حيث لم يعودوا بالضرورة تماسيح وعفاريت، بل مواطنون تخيفهم عواقب الاستمرار في هذه السياسة الاقتصادية، التي وجد رئيس الحكومة مجبرا على نهجها، رغم تعارضها مع مبادئ حزبه من قبل الأطراف التي لا يعنيها الاستقرار الاجتماعي، والحد من مظاهر البؤس والفقر، التي توسعت مساحتها منذ الرضوخ لتوصيات الأبناك الدولية، وإن كان السيد بن كيران، غير مطمئن للمعارضة البرلمانية والنقابية، فعليه أن يدرك أن المعارضة الشعبية ضد سياسته تتزايد يوما بعد آخر، وسيجد نفسه عاجزا على مواجهة عموم المتضررين من هذه السياسة الاقتصادية، أثناء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة .. فبسطاء وعاطلو الوطن، لم يعودوا يخافون على أي شيء، وقد يضطرون إلى ركوب المجهول في ردود أفعالهم، وهذا لا يخدم تطلعات عموم الوطنيين الحريصين على السلم والاستقرار في المجتمع، الذي حصلت بلادنا بسببه على الوضع المتقدم والموقع ضمن الدول الصاعدة باستحقاق.
وهل يستطيع رئيس الحكومة الكشف عن مل يقدمه لهذه الأسرة المغربية، التي أصبحت تواجه مشاكل المجتمع بدون حماية ودعم ..؟ وهل يدرك أن ادعاءه لمواصلة سياسة التقويم التي فرضت على الوطن من قبل صندوق النقد الدولي، ستساعده في إصلاح عجز الميزانية، وإصلاح منظومة التقاعد، وصندوق المقاصة، وإيجاد فرص العمل ومواصلة المجهود الاستثماري في القطاعات الخدماتية الحكومية، كالتعليم والصحة والسكن ..؟ إن الاستقرار المجتمعي الذي ضمن للمواطن الاحترام من دول الجوار الأوربي، ووضعية الدولة الصاعدة، صنعته هذه الأسرة المغربية، التي يعمل اليوم على استكمال مسلسل تفقيرها وتجهيلها عبر مواصلة السياسات الحكومية اللاشعبية، التي طبقتها الحكومات السابقة .. وهل يتمكن من تقديم ما تحتاجه من أجل استمرار استقرار النسيج الاجتماعي، الذي تفاقمت نسب البطالة والجريمة والفقر والمرض، الملموسة في صفوف جميع فئاته الاجتماعية، ناهيك عن ارتفاع الآفات المرضية الاجتماعية، كتعاطي المخدرات والدعارة والتسول، والتي ينعكس مفعولها على مناعة هذه الأسرة المغربية، التي خربتها السياسات الحكومية المتعاقبة، سواء في عدم تحسين مستوى المعيشة ووقف غلاء الأسعار، ورفع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، ومحاربة البطالة والهشاشة الاجتماعية، ولا يبدو إلى الآن، أن هناك مفاتيح للأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل هذا التخبط الذي تقوم عليه سياسة الحكومة الحالية، التي تراهن على الزمن والسراب لاحتواء الأزمة، التي تواجهها في الظرف الراهن، رغم امتلاكها لنبل المشاعر والوعي بخطورة تداعيات هذه الأزمة، التي تفوق الحلول التي تقترحها لمواجهتها حتى الآن.
لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ضد تحرك الحكومة لوقف النزيف واحتواء الإفلاس، الذي يهدد جميع المكاسب، والإصلاحات والأوراش التنموية، المفتوحة للاستجابة لتطلعات جميع المغاربة، إلا أن هذا التحرك التصحيحي والتقويمي والتنموي، يقتضي أولا، الاشتغال على قيم النقد والاجتهاد والإبداع، التي تخلق الخطوة الأولى، التي يمكن السير فيها إلى نهاية الطريق، من خلال الاستئناس بما يملكه أبناء المجتمع في هذا المجال، من تصورات واقتراحات وانتقادات، بدل الرهان على الانفراد بذلك، بعيدا عن ترجمة مبادئ الشورى والمشاركة، واحترام الرأي الآخر، والتخلي عن الغرور الحزبي والانتخابي، في إدارة الشأن العام، الذي يجب أن يساهم فيه الجميع، دون حواجز أو إقصاء، وحشد كل الطاقات للتفكير والبحث والتأمل في الحلول والمعالجات المطلوبة لكل المشاكل والقضايا المجتمعية المطروحة، دون الاعتقاد المرضي بأن الرؤيا الحزبية والانتخابية التي يمتلكها الآن، ستظل صالحة ومقبولة إلى الأبد، وفي هذا الإطار، لا مفر لرئيس الحكومة من تجاوز ردود الفعل، التي تجعله يعجز على إقناع مخاطبيه ومحاوريه وخصومه، حول ما يجب أن يتم الاشتغال عليه، لإنقاذ القرارات المؤلمة والصعبة إلى أن يتحقق الإجماع حولها، ولو في الحد الأدنى منه، الذي يسمح للحكومة بالحق في التصرف فيما يواجه الوطن والمواطن، بعيدا عن تصفية الحسابات والبحث عن كبش الفداء لتبرير العجز.
وحتى لا تفوتنا المناسبة، نؤكد على ضرورة تغيير منهجية التعاطي مع مشاكل الوطن، وحسن الإنصات، إلى نبض الشارع والرأي النقدي والمعارض، إن كان هناك إيمان بأهمية الحوار مع المجتمع في هذه الحكومة، التي فازت أغلبيتها بحصة الأسد في الانتخابات التشريعية ل. نونبر 2011، وتبقى هذه الأغلبية معنية بنجاح حكومتها، إذا انتبهت إلى مسؤوليتها في دعم الحكومة بالرؤى والمشاريع والبرامج القابلة للإنجاز، حيث لا بمكن للحكومة أن تنجح إذا راهنت على قوتها العددية الآن، أو تجاهلت حسن التعاطي مع اعتراضات واقتراحات وبرامج المعارضة، وللسيد رئيس الحكومة واسع النظر في التعاطي مع رأينا، حول أداء حكومته في هذا الملف المتعلق بالزيادة في الأسعار.
إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، لا نريد وضع العربة أمام الحصان، أو الفشل لرئيس الحكومة، في مواجهة الأزمة الاقتصادية، التي يحاول المحسوبون على أغلبيته توجيهه نحو تأمين مصالحهم الطبقية، التي تتناقض وتوجهات حزبه بالضرورة، ويزينون له الطريق بالأضواء الملونة والحالمة، دون أن يطرحوا عليه في نفس الاتجاه مخاطر المغامرة فيها، لكي يتحمل تكاليفها السياسية والانتخابية وحده، وفي هذا الإطار، يحق لنا أن نحاور السيد رئيس الحكومة الموقر على تنبيهه لقانون المقايسة وتطبيقه المتخلف من قبل مسؤوليه في الاقتصاد والتجارة والحكامة، حيث لم يبادروا إلى الآن بالإجراءات المصاحبة لتطبيق هذا القانون، بما يجب أن يكون عليه دخل المواطن، حتى يكون قادرا على تحمل تكاليف أي زيادة في الاقتصاد الحر، الذي لا تدعم فيه الدولة المواطنين بما يساعدهم على الحصول على المواد الاستهلاكية والخدمات، التي تتلاءم مع قوتهم الشرائية في نهاية المطاف.
ومن المؤكد، أن هذه السياسة الاقتصادية ستضر بوزن حزبه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهذا ما لا يرغب فيه، ناهيك عن الضرر الذي سيلحق ثقة المغاربة في ورعه الديني، وما يتحدث عنه في محاربة الاستبداد والفساد، إضافة إلى ما سيكون عليه تعامل الناخبين مع برنامج حزبه الانتخابي، إذا لم ينتبه إلى الأخطاء المرتكبة حاليا التي يشعر قياديو حزبه بمخاطرها في العمليات الانتخابية المقبلة.
لن نغلق الحوار، حول موضوع الزيادة في الأسعار، فمن جانبنا كنقابة مستقلة للصحافيين المغاربة، فإننا ننبه إلى جسامة مساوئ هذه السياسة الحكومية، وأملنا كبير في استدراك ما يمكن أن يقع، إذا ما سارعت الحكومة إلى التراجع عن هذه السياسة الاقتصادية، التي يعرف رئيس الحكومة أن آثارها السلبية أكثر من الإيجابية، إذا استمر مسلسل الزيادات، فسيكون هذا المواطن عرضة للعجز على توفير حاجياته الاستهلاكية والخدماتية، التي ستكون أسعارها ملتهبة في ظل تنافسية احتكارية غابوية، وسيكون هذا المواطن هو ضحيتها الأساسي، الذي يعبر رئيس الحكومة دائما عن تضامنه معه بدون أن يتحرك في ترجمة هذا التضامن في القرارات الاقتصادية، التي يتخذها من حين لآخر.
إن السيد رئيس الحكومة، يعرف أن قرارات الزيادة بدون غطاء وحماية للمستهلك، ستكون لها عواقب على الاستقرار والسلم الاجتماعي، الذي ينعم به المغرب، والذي لا يعود الفضل فيه لبعض الذين يعتقدون أن مواقفهم الحزبية والنقابية، هي التي تؤجل المواقف المضادة لهذه القرارات، لأن هؤلاء غائبون عن السياسة، ولا يتحركون إلا لمصالحهم فقط، حتى وإن كانت هذه التحركات سيدفع ثمنها الأبرياء والمسحوقون من العمال والعاطلين وصغار التجار والموظفين، وحتى لا يفسر رأينا في غير موضوعه نقول، إن الأزمة الاقتصادية لا يجب أن يدفع ثمنها فقراء الوطن وحدهم، وعلى الحكومة المعنية بتدبير الشأن الاقتصادي، مراعاة ذلك في القرارات التي تعتزم فرضها في المستقبل، حتى لا ترتفع تكاليف هذه القرارات على معيشة فقراء المغرب، الذين اتسعت قاعدتهم في هرم السكان، وإن كان من المستحيل التراجع عن هذا التوجه الاقتصادي التفقيري، فإن الحكومة معنية بعدم التركيز على جيوب هؤلاء الذين لم يعد دخلهم وقوتهم الشرائية قادران على تحمل هذه القرارات، التي لا يتأثر بها الأغنياء والمحظوظون دائما، مع أن روح المواطنة والتضامن تقتضي أن يتحمل هذه الزيادات هؤلاء الأغنياء لا الفقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق