ملفات و قضايا

واقع الاستهلاك والادخار في الاقتصاد الوطني الراهن

كشف آخر تقرير للمندوبية السامية للإحصاء والتخطيط، أن أكثر من 85 %من المغاربة متشائمون من قدرتهم على مواجهة لهيب الأسعار، و 85 %لا يملكون القدرة على الادخار، في ظل ارتفاع معدل تكلفة المعيشة الذي أصبحت قوتهم الشرائية في ظله عاجزة عن تأمين ما تبقى من القدرة على مقاومة الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، فبالأحرى التفكير في الادخار، وأن مقاومتهم لتحرير الأسعار، سواء بالنسبة للمواد أو الخدمات تتجه إلى الإفلاس، وبخاصة الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية.
إن هذه الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية للإحصاء والتخطيط، تعزز وجهة نظرنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، من أن الوضعية الاقتصادية في الوطن لا تساعد على استقرار السلم الاجتماعي، وأنها تؤشر على المزيد من النسب المرتفعة في الفقر والبطالة والعجز، التي لم تتمكن الحكومة الحالية من احتوائها بالرغم من كل الجهود التي بذلت حتى الآن، والتي لازالت الحكومة تراهن عليها لتأمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي فيما تبقى من مدة انتدابها، والمؤكد أن معالم الأزمة لازالت واضحة في كل المؤشرات الاقتصادية التي كان رئيس الحكومة يتحدث عن إمكانية بلوغها، سواء في نمو الاقتصاد أو في تقليص نسبة العجز في الميزانية أو في تقليص نسبة البطالة والفقر .. ولعل كافة المتتبعين للوضع الاقتصادي يجمعون على استحالة تطويق وترميم الأعطاب التي تعاني منها السياسة الحكومية الاقتصادية، التي لم تعالج الأزمة، ولم تقترح الحلول البديلة، ولم تهيئ المجتمع من أجل المساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوزها، والتي يتبين أن ثقلها الكبير لازال ملموسا في القوة الشرائية للمواطنين، الذين أصبحوا عاجزين عن مواجهة مضاعفاتها في ظل عدم ملاءمة الأسعار لدخولهم المتدنية باستمرار .. وبالتالي، أن المناعة الاقتصادية التي يتحدث عنها الحزب الذي يقود الحكومة الائتلافية الحالية مجرد سراب، وأن كل الجهود التي بذلها لوقف العجز البنيوي في الميزانية وحماية المواطنين من نتائج الأزمة الاقتصادية لم تسفر إلا عن المزيد من توسيع الفوارق الطبقية وارتفاع المؤشرات السلبية في جميع المجالات، وارتفاع الرهان على المزيد من الصادرات لتأمين الواردات الغذائية، وأن الإصلاحات التي وعدت بها هذه الحكومة بالنسبة لاحتواء البطالة والفقر والمديونية الداخلية والخارجية لم تتحقق على أرض الواقع، وأن كل ما تبقى من سياستها للتدبير الاقتصادي ستؤدي حتما إلى خراب وتدمير كل التوقعات الإيجابية التي كانت الحكومة تدافع عتها بواسطة برنامجها الحكومي، سواء في النسخة الأولى أو الثانية، ولعل ردود الفعل اتجاه سياستها في رفع الدعم عن المحروقات، وعدم احترامها لقانون المقايسة تؤكد صحة قناعتنا في الأزمة التي تواجه الاقتصاد والمواطنين على حد سواء.
المحصلة الطبيعية لهذه الوضعية الاقتصادية تشير إلى استحالة وجود القدرة للمواطنين، سواء بالنسبة للاستهلاك أو الادخار .. وبالتالي، أن الاستهلاك والادخار سيكونان متدنيان في الحجم والنسبة، مما يعني أن الاقتصاد الوطني لا يمتلك التوازن الذي يترجم نفسه في قدرة المواطن على الاستهلاك والادخار، وأنه في مثل هذه الأوضاع يجب على الحكومة مراجعة سياستها الاقتصادية والأولويات التي تشتغل عليها، سواء في القطاعات الإنتاجية أو الخدماتية من أجل توفير الشروط الدنيا التي تسمح للمواطنين بالقدرة على الاستهلاك والادخار .. فهل ستقوم الحكومة بما يمكنها من بلوغ هذا الهدف الاقتصادي، أم أنها ستجد نفسها عاجزة عن تحقيق ذلك والاستمرار في الرهان على المستحيل لاحتواء الأزمة وتمكين المواطنين من القدرة على الاستهلاك والادخار ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق