الدين و الناس

المسلمون وضرورة تجديد الخطاب الديني

355

يشعر أهل العقل والعلم من المسلمين بالحاجة القصوى إلى أن يكون لهم دور في احتواء السلوك الدموي والإرهابي الذي حول الصراع بين المسلمين إلى جاهلية دينية جديدة، بدل أن يكون سببا في توسيع وامتداد الحوار بين المسلمين وارتقاء أنماط ممارسته بين جميع المذاهب، والإكراهات التي توجه أصحابها في هذا الخطاب الديني الإسلامي المعاصر الذي افتقد إلى ما كان عليه في عهد السلف الصالح السلفي المتنور الذي كان يؤمن بالاختلاف والاجتهاد في تسويق الخطاب الديني.

المدافعون عن التشدد والتطرف في الخطاب يرفضون الاعتراف بالآخر واستعمال مناهج العصر في الخطاب الديني، ويؤكدون على الحفاظ عليه كما هو دون تمكينه من التلاؤم والاندماج في حضارة العصر، ويذهب دعاة التشدد إلى أن الخطاب الديني في نصه الأصلي لا يحتمل أن يكون تطبيقه وفق الشروط الجديدة، بل أن هذه الأخيرة هي التي ينبغي أن تتكيف مع روح هذا النص الديني الصالح لكل زمان ومكان، ولا يقبل بالتشكيك في شرعية مضمونه النظري والتطبيقي، وفي صلاحيته للتوظيف حتى في الظروف التي تختلف مع سياقه التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي نشأ فيه، خاصة النص الديني المرتبط بالسنة النبوية التي اختلفت المذاهب الإسلامية الكبرى في شرحها وتأويلها، وبخاصة الأحاديث الظنية الثبوت التي اجتهد فيها العلماء ورواة الحديث على امتداد القرون التي تلت البعثة النبوية، والتي سمح بعضهم بالتشدد في الدعوة إليها والالتزام بها، سواء في عهد الخلافات الإسلامية الكبرى، أو حتى العلماء والمتخصصين في السنة الذين سمحوا لأنفسهم بتحويل اجتهاداتهم في السنة إلى نصوص قطعية الثبوت كالنص القرآني، مما فتح الباب إلى الغلو والتطرف كما فعل المتخصصون منهم في السعودية ومصر، كمحمد بن عبد الوهاب وأحمد بن حنبل وسيد قطب وابن كثير وغيرهم .. وهذا ما فتح النقاش وممارسة النقد المسؤول اتجاه مسألة الثبوت الظنية في النصوص الدينية، خاصة المرتبطة بالسنة النبوية التي يحاول المتشددون إضافة القداسة عليها .. وبالتالي، لا مجال للاجتهاد مع هذا الخطاب الديني، خاصة اجتهادات السلف من الصحابة والعلماء والأئمة الذين حاولوا الإجابة على أسئلة الفترات التي عاشوها بما يتوافق معها ومع مؤشراتها ونتائجها.

في مقابل التيار المتشدد الذي لم يعد يجتهد ويفسر ما يجب أن يكون عليه الخطاب الديني حول معطيات الواقع المتغير والمتجدد، لا يمكن للتيار المتنور والمجتهد أن يحلم بالانتصار على منافسة صاحب الرؤيا المحافظة في الخطاب الديني الذي لا يقبل بأي صلاحية أو ضمانة لدعاة الفكر التجديدي التنويري لفرض مناهجه وتصوراته ووسائطه وقواعده التفسيرية الإجرائية في التعامل مع الواقع الراهن، الذي لا يمكن للخطاب الديني التقليدي التعامل معها وتقديم الحلول والأجوبة للأسئلة المطروحة في المجتمع المعاصر، الذي تختلف قضاياه مع الظروف التي تعامل معها الأئمة والعلماء على امتداد التاريخ الإسلامي، ونفس المعطى سيكون في التأكيد على الاجتهاد والبحث وحرية التعاطي، خاصة مع النصوص الظنية الثبوت المرتبطة بالاجتهاد البشري في السنة النبوية لتكريس فقه المقاصد.

لن ننحاز في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة لكلا الطرفين في مسألة قدسية السنة النبوية أو انعدامها، لأن هذا شأن فقهي خالص ويتطلب ويستدعي امتلاك معرفته ومناهجه وقواعد التحليل المتعارف عليها، عوض الانغماس في سجال إشكالي لا يزال مطروحا للنقاش حتى اليوم .. يمكن لنا حصر النقاش مع عقلاء الأمة الذين يجدون أنفسهم بين المطرقة والسندان حول هذه المسألة، ويعانون من ضعف مساحة النقاش في نصوص السنة النبوية بين المهتمين، خاصة الغلاة والمتشددين منهم، الذين يرفضون الاجتهادات في القضايا الفقهية حتى وإن كانت تتطلب ذلك بحكم الصيرورة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي لا يتحمل النزعة المحافظة والتعاطي التقليدي مع إفرازاته التي تتناقض ومضامين هذه النصوص التي نشأت في سياقات تاريخية ومجتمعية مختلفة عنها.

إن المسلمين مطالبين اليوم بإعادة النظر في تعاملهم مع النصوص الدينية الظنية الثبوت التي لا يمكن الدفاع عنها والتي تستلزم المزيد من التحليل والتدقيق من أجل حسن استخدامها في التعاطي مع القضايا المجتمعية الجديدة.
ختاما، نقول للغلاة والمتنورين معا، أن مسألة التعامل مع النصوص في شرح النوازل أو المقاصد لا تعني التشدد في الاستخدام، ولا في المرونة المطلقة أيضا، وأن الخروج من السجالات الحوارية الفقهية يتطلب دائما التوفيق بين مقتضيات مضامين النصوص والقضايا التي توظف في تحليلها من أجل تحقيق الملائمة التي لا مفر منها، سواء بالنسبة للغلاة أو المتنورين من حملة النصوص الدينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق