أحزاب و نقابات

المشهد السياسي الوطني والرهان على لغة المظلومية

 

بن كيران في البرلمان

 

يكاد أن يكون هناك إجماع بين الفاعلين في مشهدنا السياسي الوطني على الرهان على لغة المظلومية، سواء في تقييم أدائهم أو في التواصل مع بقية الفاعلين .. فالحزب الأغلبي انتقل من الحديث عن “العفاريت والتماسيح” إلى اتهام دوائر التحكم والدولة العميقة والجهات النافذة التي تهدد المسلسل الديمقراطي، وخصومه في الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يستعملون لغة الخشب المتجاوزة في رسم الخريطة، والتأثير المباشر على نزاهة الانتخابات، وتوظيف المرجعية الدينية من قبل الحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية، كما يدعي ذلك الحزب الأول في المعارضة الفائز بأغلبية الجهات في شخص حزب الأصالة والمعاصرة.

لسنا في جريدة المستقلة بريس مع أي طرف، لكن الاشتغال على هذه المنهجية المغرقة في السطحية السياسية، وفي توظيف منظومة العصبية القبلية والروح الحزبية الضيقة، والنهج التخويني والتحريضي ضد الآخرين في نظامنا السياسي التعددي، يطرح علينا وعلى الفاعلين المعنيين بهذه الملاحظات أكثر من علامة استفهام، وذلك لمعرفة خلفيات هذه المنهجية التي تحرص على تبرئة الذمة واتهام الخصوم، والتي اتضح أنها لا تخدم المشروعية التي يحظى بها الجميع في هذه التعددية الحزبية والنقابية الدستورية من جهة، ومدى هذا التوجه الذي يخلط جميع الأوراق ولا يفرق بين الصالح والطالح في الإمعان على الاتهام الرخيص لبقية أطراف المشهد الحزبي، وفي الدولة التي تصفها أقطاب حزب الأغلبية بالدولة العميقة ودوائر التحكم التي تعارض المسلسل الديمقراطي من جهة أخرى.

ليس من حق أي حزب في الأغلبية أو المعارضة أن يتباهى على غيره من مكونات المشهد السياسي الوطني، ولا أن يدعي التقية والطهارة في سلوكه الحزبي اتجاه المواطنين واتجاه بقية الأحزاب والنقابات، سواء كان إيجابيا أو سلبيا، أو ادعاء التفوق والبراءة في عدم اللجوء إلى الأخطاء التي تمس مصداقيته النضالية والسياسية .. فجميع الأحزاب في الأغلبية والمعارضة لجأت إلى التحالفات الغير الطبيعية لكي تظفر بمواقع المسؤولية في الجهات والجماعات وحتى في البرلمان، وفي هذا الإطار، نسائل رئيس الحكومة على خرجاته المثيرة للجدل ضد خصومه في المشهد السياسي الوطني، وفي الدولة وممارسة المظلومية للدعاية الانتخابية المبكرة له قبل الاستحقاق البرلماني في السنة المقبلة .. وعلى خصومه أيضا، طرح تصوراتهم ومشاريعهم وبرامجهم والدفاع عنها بعيدا عن هذه اللغة السياسية الملغومة التي لا يختلفون فيها عن لغة الأغلبية الحكومية التي اتضح لأطرافها أنها لن تساعدهم في تبرئة الذمة وانتزاع ثقة الرأي العام.

إن المطلوب من أحزاب الأغلبية الحكومية اليوم، التخلي عن لغة المظلومية، خصوصا الحزب الذي يقود الحكومة، الذي يعرف عن قرب متطلبات الأداء الحزبي والحكومي في مواجهة المعارضة، والذي أهلته هذه المعرفة إلى النجاح في الاستحقاقات الانتخابية التي يستمد منها شرعية وجوده في تدبير الشأن العام، فعليه الابتعاد عن لغة المظلومية، وتخيل الخصوم الافتراضيين والتخفي وراء توجيه النعوت والاتهامات إلى خصومه، وأن يسارع إلى الوفاء بما وعد به الناخبين في برنامجه الانتخابي حتى إجراء الانتخابات البرلمانية في السنة المقبلة، وأن يصحح جميع الأخطاء ويبرر أسباب عدم إنجازه لما وعد به الناخبين إن كان فعلا يؤمن بالديمقراطية وإكراهاتها المتعددة، وأن لا يعتقد أنه محصن من الأخطاء كغيره من الأحزاب التي توجد في الأغلبية أو في المعارضة.

ختاما، نهمس في أذن رئيس الحكومة وأقطاب معارضته أن المغاربة واعون بهذه الشطحات التي تسبق الجذبة الانتخابية، ومن أنه لا عودة لما قبل دستور 2011، وأن المسلسل الديمقراطي للوطن ماض في طريقه نحو تحقيق جميع أهدافه، وأن لا خوف على العملية الديمقراطية التي يجري تنفيذها حسب أجندتها الزمنية، وأن المواطنين يراقبون خطوات الأغلبية والمعارضة، وأن الفائز بثقتهم سيكون من اجتهد لصالحهم اليوم ووضع البرنامج الانتخابي القابل للإنجاز في الانتخابات البرلمانية القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق