
ما بين الحرف واللحن وما بين الخشبة والميكروفون، يولد سؤال الفنان في صمت، ويكبر مع الأيام رجاءً في صدور من يؤمنون بأن للفن رسالة، وللمبدعين حقوق لا تسقط بالتقادم .. ومن موقع المحبة والغيرة الصادقة على جسدنا الثقافي الوطني، وجدت نفسي محمولاً على جناح الأمانة أنقل نبض تساؤلات بعض المنخرطين إلى سيدة تحمل من التفاني قدرًا، ومن المسؤولية جوهرًا، ومن التواضع ما يليق بكبار العطاء
إلى الفاضلة المحترمة السيدة دلال العلوي المحمدي، مديرة المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، أزجي إليك تحية تقدير واحترام، وأرفع لك، باسمي وباسم فنانين منخرطين أعرفهم، عبارات الشكر الصادقة، لأنك ومنذ أن حملتِ على عاتقك مسؤولية تسيير المكتب، لم تتواني أنتِ وطاقمك المحترم في خدمة مصالح الفنانين، والسير بالمكتب ومنخرطيه نحو أفق أرحب وأكثر عدالة .. وفي هذا السياق، و وفاءً لمبدأ الأمانة الصحفية، أنقل إليكِ هذا الحوار الذي يختزل جهودًا، ويضيء مسارات، ويجيب على أسئلة ظلّت حائرة لوقت طويل في صدور أصحابها
لقد بذل مكتب حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في المغرب منذ توليكم مسؤولية تسييره مجهودات تواصلية ملموسة مع الفنانين عبر مختلف مناطق المملكة، وهو ما يُحسب لكم .. فهل ترون أنكم قد حققتم الأهداف التي سطرتموها في بداية مهامكم ..؟
*أشكركم على هذا التقدير .. منذ تولينا مسؤولية تسيير المكتب، وضعنا ضمن أولوياتنا تعزيز التواصل مع المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة وتشجيعهم على الانخراط بالمكتب من أجل ضمان حماية حقوقهم المادية والمعنوية عن استغلال مصنفاتهم الأدبية والفنية، فقد كانت الحملات التواصلية التي أطلقها المكتب منذ سنة 2020 من أجل تشجيع المؤلفين والمبدعين بمختلف أصنافهم على الانخراط بالمكتب والتصريح بمصنفاتهم وأداءاتهم إحدى أسس خطة الإصلاح من خلال الانفتاح على هذه الشريحة من محركي التنمية الثقافية في بلادنا، إلى جانب ذلك، قام المكتب بوضع إستراتيجية تهدف إلى تحسين مداخيله وتطوير أدائه وتحديث أساليب عمله، ليقوم بالدور المنوط به في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لذوي الحقوق، بصفته هيئة للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة، يمكننا القول إننا قطعنا أشواطًا مهمة في تحقيق الأهداف المسطرة .. خصوصًا، فيما يتعلق بالرفع من نسبة عدد المنخرطين بالمكتب، والرفع من المداخيل، وتحسين الخدمات الإدارية .. ومع ذلك، نعتبر أن الطريق ما زال أمامنا، ونحن ملتزمون بمواصلة العمل من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات .. ويبقى التحدي الأكبر هو الرفع من المداخيل وتعزيز الموارد المالية من أجل ضمان الحماية المادية لحقوق المؤلفين والمبدعين، خاصة أمام الصعوبات التي يوجهها المكتب في الاستخلاص من لدن عدد كبير من المؤسسات المستغلة لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والتي ترفض أداء ما بذمتها من مستحقات (المقاهي، المطاعم، الحانات الليلية، الفنادق، المهرجانات …) الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود والتعاون بين المكتب والمؤلفين الذين يمكنهم مطالبة المؤسسات التي يقيمون حفلات فنية داخلها بتسديد مستحقات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة للمكتب
يتساءل بعض المنخرطين عن معايير التوزيعات المالية: كيف تتم هذه العملية ..؟ وما هي الأسس المعتمدة لضمان العدالة والشفافية ..؟
*بخصوص المعايير التي يعتمدها المكتب المغربي لحقوق المؤلفين في توزيع الحقوق المادية على المؤلفين وأصحاب الحقوق المجاورة، يجب الإشارة إلى أن المكتب يخضع لمراقبة الكونفدرالية الدولية لهيآت المؤلفين والملحنين “CISAC” وملزم كغيره من هيئات التدبير الجماعي في العالم الأعضاء بالكونفدرالية، بتطبيق القواعد المهنية التي تضعها الكونفدرالية عملًا بمبدأ الحكامة الجيدة .. وفي هذا الصدد، لابد من التوضيح أن كل عملية توزيع تخضع لمعايير محددة:
المصنفات الأدبية والفنية والأداءات والإنتاجات المصرح بها لدى مصالح المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، والتي يتم استغلالها وترويجها
عدد المرات التي تم فيها استغلال المصنف الأدبي والفني المحمي، من طرف هيآت البث الإذاعي والتلفزي خلال الفترة المعنية بالتوزيع، وكذا التوقيت الزمني للمصنف الأدبي والفني
الاعتماد على برامج البث الإذاعي والتلفزي المسلمة للمكتب من طرف هيآت البث الإذاعي والتلفزي (العمومي والخاص)
وللإشارة، فإن عملية التوزيع يشرف عليها خبراء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بالاعتماد على المعطيات وقواعد البيانات التي تتم معالجتها في البرنامج المعلوماتي WIPO Connect، الذي تم تسليمه للمكتب من طرف المنظمة العالمية للملكية الفكري
يرى عدد من الفنانين أن شهادة البث تعتبر من العقبات التي تعرقل استفادتهم من حقوقهم، بحكم صعوبة الحصول عليها .. هل لكم أن توضحوا أكثر بشأن هذه الإشكالية ..؟
*شهادة البث التي تسلمها هيئات البث الإذاعي والتلفزي هي وسيلة إثبات أن المصنفات المصرح بها للمكتب تم استغلالها وترويجها عبر هذه المحطات، لأنه لا يمكن التصريح بمصنف غير مستغل، والذي يجب أن يعلمه الفنانون والمبدعون، أن هناك فرقًا بين تقديم أغاني كإهداء لهيئة البث الإذاعي والتلفزي وبين بثها فعليًا من طرف هذه المحطات .. وبصفة عامة، لا علاقة للمكتب بمنح شواهد البث أو رفضها، فهذا الأمر يتعلق بشواهد بث صادرة عن هيآت البث الإذاعي والتلفزي
في ظل التحول الرقمي واعتماد عدد كبير من الفنانين على المنصات الإلكترونية مثل يوتيوب، سبوتيفاي، تيك توك…، كيف يتعامل المكتب مع هذه التطورات ..؟ وهل هناك آلية واضحة لضمان استفادة الفنانين من حقوقهم على هذه المنصات ..؟
*المكتب منكَب حاليًا على التفاوض مع المنصات الرقمية من أجل استخلاص مستحقات حقوق المؤلف والحقوق المجاورة عن الاستغلال الرقمي للمصنفات .. لكن، لابد من الإشارة إلى أن أغلب هذه المنصات توجد خارج الوطن
بصفتكم مسؤولة عن هذا القطاع، هل أنتم راضون عن المحصلة الحالية ..؟ وما هي الآمال أو الخطط المستقبلية التي تخص وضعية الفنانين وتحسين ظروفهم المهنية ..؟
*رغم التقدم الملحوظ، فإننا لا نعتبر أننا وصلنا إلى الهدف المنشود، بل إننا نطمح إلى توسيع دائرة المستفيدين، ورفع وعي الفنانين بحقوقهم، ورفع المداخيل لضمان حصول جميع المنخرطين على توزيع محترم يشجعهم على المزيد من الإبداع والعطاء
من بين خططنا المستقبلية رقمنة العمل الإداري، والذي قطعنا فيه أشواطًا كبيرة، وتعزيز التكوين والتوعية والتحسيس بضرورة احترام حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وتطوير الشراكات مع المؤسسات الوطنية والدولية العاملة في المجال من أجل تدبير أحسن للحقوق
لا أخفي عليكم حجم الارتياح الذي عبّر عنه عدد كبير من الفنانين منذ إشرافكم على المكتب، وبهذه المناسبة أرفع إليكم شكرهم باسمهم، وفي الختام ما هي الكلمة التي تودون توجيهها للمنخرطين والفنانين بصفة عامة ..؟
*أشكر كل الفنانين على ثقتهم، وهي مسؤولية نعتز بها وندرك حجمها، ونحن في خدمتهم .. ولهذا، ندعوهم إلى المحافظة على المكتسبات التي حققها المكتب ومساندته في عمله من أجل نشر الوعي باحترام حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والرقي بهذا القطاع، فكل مكتسب نحققه هو نتيجة للعمل الجماعي المبذول من طرف أطُر المكتب، ومستقبل حقوق المؤلف رهين بتعاوننا المشترك مع المبدعين، وبِدفاعنا المستمر عن تطوير الإبداع والحفاظ على هويتنا الثقافية المغربية
زبدة القول
هي إذًا ليست مجرد إجابات، بل خريطة طريق رسمتها الأستاذة دلال العلوي المحمدي بكل صدق ومسؤولية، صوتها يصل لا كصدى إدارة، بل كوجدان يحس بأوجاع الفنان ويؤمن أن الإبداع حين لا يُصان يذبل وحين يُحتضن يزهر في سماء الوطن .. لكِ منا باسم كل فنان مخلص أسمى عبارات التقدير
حاورها سعيد ودغيرى حسني
فنان وكاتب رأي