أخبارالدين و الناس

تجديد الخطاب الإسلامي .. من الفروع المثقلة إلى الأصول الميسرة

يكثر الحديث اليوم عن الخطاب الإسلامي، وتتعالى الأصوات الداعية إلى تجديده .. نحن نضم صوتنا إلى هذا المطلب الملح، إذ نعتقد أنه يحتاج إلى إعادة نظر جذرية لتحيينه، يجعله يستجيب لتطلعات الأجيال الصاعدة نحو فكر إسلامي معاصر

هذا الفكر يلامس قضاياهم اليومية، وينسجم مع طريقة تفكيرهم التي تميل إلى العقل والمنطق أكثر من العواطف والانفعالات الصوتية والحركية التي يثيرها الخطباء، مفضلين إياها على التحاليل الهادئة والأدلة العقلية

ففي إحدى الخطب الدعوية، يبين أحد الفقهاء المرموقين -المهيمنين على وسائل الإعلام الإسلامية- للمشاهدين طريقة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسيم، وإذا كنا لا نقلل من أهمية تعليم المسلمين الوضوء، إذ يدخل ضمن السنة العملية التي تبليغها واجب شرعي، فإن علينا كمهتمين بتجديد الخطاب الإسلامي أن ندلي ببعض الملاحظات

نعتقد أن كل خطاب إسلامي يجب أن يستند إلى الدليل الشرعي من القرآن أو السنة النبوية، مع استحضار المقاصد الشرعية -سواء العامة كالقواعد الأصولية، أو الواردة صراحة أو ضمنا في النص المستدل به-

ففي موضوع الوضوء، نستحضر قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} (المائدة  6)

رغم وضوح مقصد الآية في التيسير والتطهير دون حرج، يؤكد أحد الدعاة أن غسل الرجلين يتطلب عدم ترك أي موضع -حتى لو بحجم رأس إبرة-، وأن مسح الرأس يبدأ من المنبت وينتهي عند آخره

يهمنا من هذا النموذج -وغيره كثير- تأكيد ظاهرة الانشغال بأدق التفاصيل والجزئيات المبالغ فيها، رغم أن إغفالها لا يؤثر في تمام الفريضة أو تحقيق مقصدها .. هذا يثقل على عامة الناس، ويحدث لهم حرجا يبعدهم عن الإسلام، مع أن رفع الحرج والتيسير من قواعد شريعتنا السمحة

من خلال هذا المثال البسيط، نصل إلى حقيقة الخطاب الإسلامي في زماننا يعاني -في جزء كبير منه- من الانشغال بالفروع عن الأصول، وبالجزئيات عن الكليات .. تجديده يتطلب عكس ذلك تماما

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق