نافذة على الثقافة و الفن

القصة القصيرة النسائية : مكابدة أنثوية أم انعتاق للذات … صبيحة شبر نموذجا

SABIHA CHEBR

صبيحة شبر

*سناء الحافي

لعلّ ما يجعلنا نخصص دراسات و أبحاث أدبية و لغوية لتطوير اللغة و التماشي مع عصرنة الأدب وفق تجليات الحدث و الزمن، ذاك النفق المظلم الذي تمرّ به ظروف الوطن العربي، و الأحداث التي تعصف باستقرار شعوبه، مما جعل الكثيرون يخوضون تجربة الكتابة للتعبير عن خلجاتهم و تمردهم على الأحداث، متّخذين من الأدب شكلاً وفيّاً يستطيعون من خلال فنونه ترجمة همومهم و صياغتها وفق ما يناسبهم و تطلعاتهم بشكل لا يخضع لرقابة أو قوانين .. الأمر الذي جعل الكتابة حرفة و مهنة الجميع، بعدما كان المطلب الأول القراءة للجميع .. لتصبح بذلك الأعمال الأدبية لا تقف على عتبة القواعد اللغوية أو ضوابط فنية، و لا تؤمن بثوابت الأدب في أغلب الأحيان .. لكن مازلنا نشهد في الساحة الأدبية بعض الأسماء الأدبية الكبيرة التي ترسّخ الحداثة بأسلوب يحكم النص و الفكرة، دون الخروج عن الإطار العام لأي فنّ أدبي، و من بين هذه الأسماء، الكاتبة العراقية صبيحة شبر، التي اتخذت القصة نمطاً أدبيا يليق بها و تليق به، تكتب القصة و تجادل الأنا و الآخر بأسلوب محكم و رزين، دون مخالفة لضوابط هذا الجنس الأدبي الذي يرفض الانصياع لأي كاتب كيفما كان، و مهما كانت قدرته على تطويع الكلمة و تحريك دهاليز الخيال ..!
صبيحة شبر .. كاتبة عراقية، أنهكتها الخطى الممتدة بين سنوات الغربة الممتدة من المغرب إلى المشرق، و ظروف التهجير و الحصار التي مرّ بها وطنها الصامد العراق، ظّلّت صامدة بنتاجها و فكرها، تجول الكلمة و تصادق الفكرة و تنسج القصة دون تكليف أو رتوش .. بصورة دقيقة واعية من خلال علاقة الحدث بالواقع وما ينجم عنه من صراع وما تمتاز به من تركيز وتكثيف في استخدام الدلالات اللغوية المناسبة لطبيعة الحدث وأحوال الشخصية وخصائص القص وحركية الحوار والسرد ومظاهر الخيال والحقيقة وغير ذلك من القضايا التي تتوغل هذا الفن الأدبي المتميز …!
لنجد أنّ كاتبتنا على وعي تام بتقنيات فن القصة القصيرة، لذلك نراها تميل إلى الراوي الأنا في كثير من القصص للإيهام بين الذاتي والجمعي، أو تأخذ موقف الراوي العليم الذي يقدم كل شيء بمقدار ويتوقف عند حدود طرح السؤال، فكان لقصصها الأثر الكبير في جعله نمطاً يحتذى به، مجسدة في أبهى صورة علاقة الفعل بالفاعل ليكتمل بذلك معها النص القصصي حتى مرحلة التنوير من حيث المعمار الفني …
و من الأعمال التي لامست الهمّ الإنساني بكل إسقاطاته و لاقت استحسانا كبيرا في الساحة النقدية العراقية و العربية، مجموعتها : ( التابوت )، و إن ركزنا على القصص التي تتناول هموم المرأة والتي غالبا ما تكون المرأة راويا أو مرويا عنها نجدها تفترس معظم مساحة مجموعة التابوت، هذه المجموعة التي بُنيت على مضامين مدروسة, محاولة من خلالها أن تفتح بوابات الأسئلة وتثير النقاش، وهي الكاتبة والمثقفة متعددة الاهتمامات والمشغولة بقضايا الوطن والمرأة والعدل في كل مكان …!
أما في مجموعتها القصصية: (امرأة سيئة السمعة) وهو عنوان في حد ذاته مشحون مليء بالقسوة والاحتجاج الداخلي والاجتماعي في آن، لم يكن من السهل رفعه بمثابة لافتة في مظاهرة صامتة من غير استهداف أغراض وإشارات حافلة داخل النص، إذ نجد أيضا أنها اعتمدت شخصية محورية موحّدة قامت بدور الراوي أو الراوية والبطل في آن واحد. أما مواصفات هذه الشخصية فهي: شخصية أنثوية (امرأة)، عمرها في الخمسين تصارعها أعراف المجتمع و السلطة معاً،حيث عبّرت الكاتبة عن حذق وذكاء حادّ عندما حصرت بطلتها وقصصها داخل هذه الفئة العمرية لتناسب رؤيتها القصصية، ولاسيما وأنها اختارت ربط جميع القصص بحياة بطلة تكاد تكون واحدة ومكررة في المجموعة .. و بذلك تحتلّ القاصّة و الروائية “صبيحة شبر” الصدارة نسائياً في تثبيت الهوية القصصية العربية في الوقت الراهن، وهذه القاصة المرأة التي عانت من ظروف الغربة وتقلبت في بلدان عديدة ثم عادت إلى العراق لتستعيد أرضها وسماءها فيها قصصاً تمتاز ببساطتها العالية وحواراتها الداخلية التي تعبر عن وحدة الشخصيات ومعاناتها و همومها، تارة مع الزمن، و تارة أخرى مع السلطة، و أحيانا كثيرة في مجابهة الذات و الظرف .. لتلامس بذلك الجروح التي تتركها الحياة على كل واحد منا بأسلوبها الواقعي وسلاسة التعبير وعدم تعريض السرد إلى إسقاطات أو منعرجات لا ضرورة لها، مما يجعل كتابة القصة القصيرة عند “صبيحة شبر” درسا مفيدا لكيف تكتب القصة القصيرة ضمن شروطها الفنية المتعارف عليها منذ بدايات نشوء هذا الفن السردي الصعب إلى يومنا هذا .. فليس دائما نصادف الأدب الأصيل أو نجد من يكتب لنا بحرص وخبرة ودراية فنية عالية كما أرى أو كما اطلعت …!

*أديبة مغربية في المهجر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق