منبر حر

السخرية السياسية في المغرب

MAHMOUD AYACH

*د. محمود عياش

ظلت الإشاعة ونشر الأخبار المضللة والزائفة أحد أهم الأساليب التي يتم اللجوء إليها في إطار الدعاية واستهداف الخصوم و تعزيز المواقع في الحروب الإعلامية، و كان للسخرية السياسية حضورا مؤثرا في هذا الفضاء الذي يزداد إتساعا يوما بعد آخر، مستفيدا من الاستعمال المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي شكل الفاعل السياسي و من سار على شاكلته صيدا ثمينا لمن امتهن حرفة صناعة الفرجة وتصيد النوادر وصناعة المقالب، أو من اتخذها هوية لتزجية وقته والبحث عن لمعان نجمه في صفوف شلته وفضائه الأزرق، حاصدا باقات الإعجاب وتعاليق المدح والإطراء، وامتد الأمر إلى عموم الناس الذين نالهم حظ وافر من هذه الغارات المتهكمة و المستهزئة.

وفي ظل الطفرة الرقمية والتدفق المعلوماتي والغزو الإعلامي زاد منسوب التعاطي مع السخرية وتفتقت معها مواهب الكثيرين في إبداع أساليب مبتكرة و استحداث تقنيات مؤثرة، وذلك في ظل التهافت الملفت للنظر على متابعة كل جديد مضحك و ساخر، وكأنما الناس يلوذون إلى السخرية هربا من بؤس واقعهم،

و إمعانا في الانتقام من من تسببوا في ذلك.

1- السخرية من الشخصيات العامة مطلب مرغوب فيه
درج العديدون على استهداف الشخصيات العامة بالنقد والسخرية قد تصل في الكثير من الأحيان إلى الإساءة والتجريح، وهذه الأخيرة يراها البعض بأنها من البهارات المستحبة لفتح شهية مستهلك السخرية على الإقبال عليها و الاستزادة منها، في حين يبقى تعاطى الشخصية المستهدفة متفاوتا ما بين اللامبالاة أو الرد الناري المفحم، و لعل ما يتعرض له في المغرب رئيس الحكومة من سيل جارف من السخرية والتهكم و رددوه القوية على خصومه مستعيناً بلغة دارجة ملغمة بألفاظ تمتح من المعيش اليومي لعموم المغاربة، وذلك لتبلغ رسائله إلى أقصى مد لها، و لتكبيد خصومه أكبر الخسائر، وهذا الأمر ينسحب على مجموعة من الوزراء والفاعلين السياسيين والنشطاء النقابين والمدنيين، والذين كان لهم حظهم من السخرية، خاصة في خرجاتهم الإعلامية أو تصرفاتهم التدبيرية، و شكلوا مادة دسمة للساخرين والساخطين على الأوضاع الاقتصادية المزرية و الحالة الاجتماعية المحتقنة والتي تشكل حاضنة ملائمة لترعرع السخرية وتطويرها.

2- السخرية ما بين معاول الهدم و رفوش البناء
جرت العادة على اعتبار السخرية السياسية شكلا من أشكال الحرب الدعائية التي تستهدف البعض، وإنها تسري في صفوف المواطنين سريان النار في الهشيم، و تشكل آلة تدمير كما حدث لبعض الساسة في المغرب(وزير الشباب و الرياضة، الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني السابقين…الخ)، في حين تمكن البعض من الصمود أمام القوة التدميرية للسخرية إلى حد الساعة

(بنكيران و مزوار)

هذا الأمر لم يسلم منه حتى الساسة المحليون الذين نالهم حظ وافر من التهكم و السخرية.
يؤكد البعض أن السخرية المغرضة قد تتحول إلى معاول للهدم وانتهاك الأعراض و التجريح، وبالتالي تسهم في تأجيج الأوضاع وبث الفتنة، وتقوض الاستقرار المهزوز أصلا.
في حين يرى آخرون أنها مسألة ضرورية وحاجة ملحة، فبها يتم فضح الفساد و التصدي للشطط وتقويم الاعوجاج التدبيري وإحراج المسؤولين و إخراجهم عن صمتهم، والتأثير على الرأي العام و مسالة السياسات العمومية.

أما مجموعة أخرى فلا تلقي بالا لها معتبرة أن الأمر سيان، وأنها لن تغير من الوضع شيئا.
و في الوقت الحالي يتم التوظيف القوي لها لتهييج الرأي العام و إلهائه عن مشاكله الداخلية، فالهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” تدخل في هذا السياق، فلم يسلم اسمه من التهكم وتم تحريفه ليلقب “ببوكيمون” لربطه بفيلم الرسوم المتحركة الذائع الصيت، و دلالة ذلك لا تخفى على أحد، وإمعانا في إذلاله تم توصيفه بالقرد نكاية به، هذا قليل من كثير،.

ويتضح جليا كيف يتم استثمار السخرية السياسة لخلق الإجماع والتوافق، وكيف تستغل في التعبئة، و أيضا كيف تتحول إلى آلة إلهاء سياسي لفترة مرحلية، قد تطول إذا أحسن القيمون عليها تمديدها و تمطيطها

*عضو الأمانة الجهوية للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة – العيون

نبض الصحراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق