أخبارللمستقلة رأي

من أجل الارتقاء بممارسة الفاعل السياسي للمسؤولية العمومية

الأمانة

رغم تعدد القراءات للزلزال السياسي الذي مورس مؤخرا على سلوك الفاعلين السياسيين في أداء المسؤولية، ومحاولات تأويل الفصل 47 من الدستور، والركض في كل الاتجاهات لمناقشة الإقالات الأخيرة التي مورست على بعض المسؤولين السياسيين في الحكومة الحالية، لم يعد هناك الرهان على التأويلات التي تتناسب و مواقع أصحاب هذه القراءات، بعد أن تأكد الجميع من شرعية تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وفق مضمون الفصل 47 من دستور الوطن، الذي حظي بالإجماع سنة 2011، وحتى الذين ألفوا الخوض في الحوارات الإباحية يظهر أنهم لا يعارضون في هذا التفعيل في أفق الارتقاء بممارسة الفاعل السياسي في ممارسة المسؤولية العمومية.

إن ما يثير الاهتمام في المقاربات التي عبر عنها بعض الأكاديميين والبرلمانيين والمسؤولين الحزبيين في كتاب “الفصل 47″، الذي أعده عبد اللطيف وهبي وحسن طارق، هو أن هناك تقاربا في المواقف اتجاه هذا الفصل الدستوري الذي ناقشته الزميلة المساء في ملفها الأسبوعي، الصادر في 29 اكتوبر 2017، تحت عنوان “الفصل 47 أو المقصلة الدستورية للوزراء”، فإن المنظور إلى واقعة إعفاء بعض الوزراء في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني، لم يحسم في تداعيات الواقعة التي تركزت على القوانين الدستورية، وتجاهلت غياب احترامها من قبل الفاعلين السياسيين من خلال أحزابهم التي اقترحتهم لهذه المسؤوليات الحكومية، التي تتطلب التأهيل والمتابعة والتجويد من قبلها .. هذه التداعيات التي لم تناقش من قبل الأكاديميين والمحامين والفاعلين في إطار مناقشتهم القانونية والدستورية، وهذا ما يؤكد أن الملف الأسبوعي، لم يوضح في إطاره الصحيح والشمولي الذي يسمح بنقد الممارسة السياسية الحزبية المسؤولة عن حدوث هذه الوقائع التي يتم فيها اللجوء إلى الدستور للفصل والحسم في أسبابها وتداعياتها.

بكل تأكيد، لا مفر من المناقشة القانونية والدستورية لمثل هذه الوقائع المرتبطة بأداء المؤسسات الدستورية .. ونظن في المستقلة بريس، لسان حال النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء به دستور 2011، من خلال ما حدث في تشكيل الحكومة، والإعفاء الأخير لبعض الوزراء، كان مطلبا جماعيا وجماهيريا، خاصة في الفصل 47 الذي منح جلالة الملك وفق مضمون الفقرة الأولى منه صلاحية التدخل في حالات الفشل في تشكيل الحكومة، والحق في إعفاء بعض أعضاء هذه الحكومة .. ونظن، أن ما ذهب إليه ذ. عبد اللطيف وهبي من أن تدخل جلالة الملك عبر هذا الفصل الدستوري يزكي القول بأن تسطيره من خلال تصور تحكمه فكرة الملكية البرلمانية التي يمارس فيها الحكم المعبر عن إرادة الشعب بواسطة الانتخابات قطباه من الأغلبية والمعارضة، والذي يتصدره في رئاسة الحكومة الحزب الفائز بها.

أما ربط ذ. محمد ضريف لشرعية تطبيق الفصل 47 بضرورة وجود عرف دستوري مكمل وليس إلى تعديل دستوري، فلا يرقى هذا التصور إلى التشكيك في مضمونه والاعتراض على اللجوء إليه، كما تم مؤخرا، وبالنسبة للمحامي ذ. عبد الكبير طبيح، فلم يضف شيئا جديدا إلى إبراز أهمية هذا الفصل رقم 47، الذي فرض مرحلة من النظام السياسي المغربي، والتأسيس لمرحلة جديدة متقدمة وملاءمة نظامنا السياسي لأرقى الديمقراطيات في العالم، وفي نفس السياق، عبر ذ. حسن طارق من أن الخلفية السياسية للفقرة الأولى من الفصل 47، كانت تعكس تقدما إستراتيجيا في ربط جزء من سلطة صناديق الاقتراع .. مؤكدا أن قراءة الفصل 47 لا تنفصل عن تاريخ وسياقات المنهجية الديمقراطية الملتزم بها حاليا.

وبخصوص القراءات الأخرى الغير منضبطة والمتحررة نسبيا، كالتي عبر عنها خالد العسري من أن وقائع الإعفاء تجعل من الوزراء مجرد موظفين مسؤولين أمام جلالة الملك، الذي له سلطة تعيينهم ومحاسبتهم وإقالتهم، فإنها تحرضنا في جريدة المستقلة بريس الإلكترونية على القول، أن خالد العسري لم يتخلص من قناعته الخاصة في مناقشة واقعة تفعيل الفصل 47، من أن اللجوء إلى هذا الفصل في واقعتي إعفاء عبد الإله بن كيران، والإعفاء الأخير لبعض وزراء حكومة الدكتور سعد الدين العثماني يحيلنا إلى فقر في التقعيد القانوني والدستوري، ومن أن البلاغ الملكي الأخير شكل فعلا تأسيسيا يتجاوز الوثيقة الدستورية، وإعادة للفصل 19 الشهير في الدساتير السابقة إلى سيرته الأولى، في إطار الفصل 118 الذي يعتبر القرارات الملكية محصنة، وكانت و لاتزال ضد أي نوع من المساءلة .. وما يوضح القصور في قراءة خالد العسري، أنه يطرح الوقائع التي تؤكد مصداقية من خلال ما حدث عقب تقديم السيد إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات مذكرته حول برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة، الذي أدى تأخر إنجازه إلى الحراك الشعبي في المنطقة .. وبالتالي، إلى الكشف عن التقصير الحكومي الذي استدعى تطبيق الفصل 47 للمرة الثانية بعد واقعة فشل رئيس الحكومة السابقة الفائز بالانتخابات التشريعية لسنة 2016، في تشكيل الحكومة الجديدة.

وبخصوص قراءة محمد البقالي، فقد رأى أن عدم الثقة لدى الفاعلين كرس الصياغة الصلبة للفصل 47، وأنه يتطلب التعديل في المستقبل من أجل تجاوز الفراغ الدستوري الذي تقتضيه بعض المآزق الطارئة، كالتي عشناها في واقعتي فشل بن كيران في تشكيل الحكومة والإقالة الأخيرة لبعض وزراء حكومة سعد الدين العثماني .. وإن كنا في المستقلة بريس مع الاجتهاد والقراءة المعمقة للإشكاليات السياسية والدستورية، فهذا لا يعني بالضرورة تجاهل المعطيات التي كانت وراء العمل بالقوانين الدستورية التي لا يجب تعديلها كلما استنفذت عناصر وجودها و تطبيقاتها في الحق السياسي والدستوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق