أخبارنافذة على الثقافة و الفن

وظيفة الكاتب المسرحي

د. ملحة عبدالله

ملحة

إن كل ما يكتبه الكاتب المسرحي من علامات وتوصيف مناظر ولغة وكل ما يتضمنه نصه المسرحي يحمل لنا عالماً من الدلالات والرموز التي يجب علينا فهمها، لأنه وهو يكتبها يعلم ماذا يفعل وماذا يكتب وماذا يقصد، ولذلك فإنه يتوجب علينا إيجاد تلك الصفة الحيوية بيننا وبين الكاتب أو النص .. هو ذلك الكائن المحمل بالهموم والأفكار والرسائل الخفية وإيقاظ الوعي الجمعي .. يحمل على عاتقه مهمة التوصيل في دأب دائم وتعب ومعاناة، لأناس يجلسون على الكراسي في ضوء خافت ومناخ ملون بكل ألوان الزينة من الموسيقى والحوار والضحك إن لزم الأمر، وفي مناخ تسوده المتعة السمعية والبصرية والوجدانية، إنه أشبه برجل البريد الذي يجول على قدميه طيلة اليوم ليوصل الرسائل لأناس مسترخين في مقاعدهم، ليس عليهم سوى القراءة الواعية ..! فكل ما يخطه ويرسمه الكاتب على الورق هي لغة تحمل العدد من المستويات في التلقي شأنه شأن أي كاتب آخر، بالإضافة إلى ما تحمله الإرشادات بين قوسين من مدلولات حسب سياق النص المسرحي

يقول «ماكسويل اندرسون»: « إن الأشياء التي على الفنان أن ينقلها ويفصح عنها لا يمكن الإفصاح عنها إلا برموز فنية فحسب» على أن ما يكتبه هؤلاء هو ما يجلو لنا هذا الفن ويضفي عليه فيضا كبيرا من الضوء، إن كل ما يكتبه الكاتب المسرحي من علامات وتوصيف مناظر ولغة وكل ما يتضمنه نصه المسرحي يحمل لنا عالما من الدلالات والرموز التي يجب علينا فهمها، لأنه وهو يكتبها يعلم ماذا يفعل وماذا يكتب وماذا يقصد، ولذلك فإنه يتوجب علينا إيجاد تلك الصفة الحيوية بيننا وبين الكاتب أو النص، هذا التغاير الحيوي هو ما يخلع على النص المسرحي بهجة ومتعة وحيوية

ولكن هذه الوظيفة لابد أن تظل مستترة بعيدة عن أعين النظارة حتى ينتهي العمل، لسببين مهمين، السبب الأول: هو أن المشاهد أو القارئ لو فقه غايته أعرض عن تكملة العمل، وثانيهما: أنه قد ينصرف الجمهور عن المتعة التي يحصل عليها من خلال كل مفردات المسرحية، فالرسالة المنبرية ليس لها مكان بين جمهور المسرح، فالإنسان بطبعه عنيد متمرد يكره الوصاية والولاية والتوجيه، وبالتالي يمقت الخطاب المباشر والرسالة المباشرة في المسرح .. فالكاتب يجب أن يستتر خلف المتعة، ويتوارى خلفها، لأن المتعة والتي أطلق عليها الفلاسفة (اللذة)، سواء كان العمل تراجيديا أم كوميديا، إنما هو يحصل عليها من خلال الاسترخاء واستدرار الخيال وجماليات الصورة، فالمشاهد قد أتى وتنازل عن كثير من مغريات الحياة وتكبد الطريق وقد يدفع مالا، لكي يحصل على المتعة، وليس من أجل تلقي دروس وعظاة وآراء يختلف ويتفق معها، ولكنها جميعها رسالة تحقن تحت الجلد، وهذه الحياة النابضة في ثنيات النص المسرحي لا تأتي إلا عن طريق علاقة حميمية بين الكاتب وفكرته، علاقة مليئة بالحب والمودة والتعايش الصادق والإخلاص بين الفنان أو الكاتب وفكرته وتصوره من خلال رموز فنية، والحوار والفعل هما الرمزان اللذان يستعملهما الكاتب المسرحي في دائرة اختصاصه .. والعمل الفني أو النص المسرحي هو إبداع فردي، فإذا اتفق اثنان على كتابة قصة ما، فإن كل منهما سينتجها بلونه ويصبغها بصبغته الخاصة كما يقول أحد النقاد العظام

يقول «أندرسون»: « إن وظيفة الكاتب توضيح نظرته إلى العالم بسلسلة من الكتابات التصويرية التي تحمل المعاني إلى ما وراء الخطاب المباشر» .. وذلك يعني أن الكاتب يعطي كل عنصر حقه يشبعه وينحته ويغزله بخيوط حريرية .. فالمطابع مغازل والكتاب ديدان قز، فاحذر أن تتعقد منك الخيوط الحريرية، وذلك عبر تشغيل الكاتب كل حواسه لحظة الكتابة؛ فيسمع، ويرى، ويشم، ويلمس، ويتذوق ..! كل ذلك في آن واحد ..!

وقد وصف النقاد الكتاب المسرحيين بأنهم أشبه بالموصل الكهربي إذ يقومون بتوصيل الفكرة من خلال إبداعاتهم المتخيلة إلى الجمهور، ولا تقتصر المحاولة على تصوير الحقيقة فحسب، وإنما أيضا تطويع الخيال واستثماره استثمارا منطلقاً بدون قيود، سوى خط ضئيل للغاية من الرقابة والتحكم، ثم يقول رايس: « إن سيطرة الكاتب على مادته هي التي تجعل منه فنانا، وإذا بحثنا في قيمة أي عمل فني فإنه لابد أن يتصف هذا العمل بالحيوية والفيض الحسي الذي يصل بدوره للفيض المعنوي، ولكنه لا يتأتى ذلك سوى باتصال حي ومتدفق مع المتلقي

إن جوهر الفن يكمن في قوة الاتصال بين قلب وقلب – أجل، ولكن بما أن أحدا لا يمكن أن يقول للطبيعة الإنسانية: كوني وفقا لهذا المثال أو ذاك « أو أن يقول لتموجات الفهم الإنساني « إلى هذا الحد وليس أبعد منه ويعلق إلمر رايس على ذلك بقوله: إن الكتابة المسرحية ليست بالأمر اليسير مثلما يظن البعض إنه قادر على خلق شخصيات تملأ الفراغ المسرحي يثرثرون حواراتهم ويرقصون ويغنون تحت ألوان زاهية من الإضاءة وهم لا يعلمون أن ذلك سيسبب لهم كما كبيرا من العناء والألم جراء إحساسهم بالفشل من أول ليلة عرض مسرحي، وعن ذلك يقول بيسفيلد: الكتابة المسرحية تحتاج إلى ساعات طويلة من الوحدة التي ينفقها الكاتب في عمل متواصل كمضغ الزلط ..! وهنا تكمن صعوبة الكتابة المسرحية التي تجسد حدثاً أو أحداثاً تحدث (هنا، والآن) وهي خاصية تتفرد بها الكتابة المسرحية دون غيرها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق