أخبارالدين و الناس

يا أيها الفقهاء يسروا ولا تعسروا

د. الصديق بزاوي

بزاوي

يكثر الحديث اليوم عن الخطاب الإسلامي .. وتتعالى الأصوات التي تنادي بضرورة تجديده، وإذا كنا نضم صوتنا لهذا المطلب الملح، فلأننا نعتقد أن هذا الخطاب يحتاج إلى إعادة النظر، وذلك من أجل تحيينه حتى يستجيب لتطلعات الأجيال الصاعدة لفكر إسلامي معاصر، يلامس قضاياهم وينسجم مع طرق تفكيرهم التي أصبحت تميل إلى العقل والمنطق أكثر من ميلها إلى المشاعر و العواطف التي يسعى الخطباء لإثارتها، معتمدين على الانفعالات الصوتية والحركية، بدلا من التحاليل الهادئة والأدلة العقلية .

ففي أحد الخطابات الدعوية، نجد أحد الفقهاء (المرموقين) المهيمنين على وسائل الإعلام الإسلامية، يبين للمشاهدين طريقة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإدذا كنا لا نريد أن نقلل من أهمية تعليم المسلمين كيفية الوضوء، لأن الموضوع يدخل ضمن السنة العملية التي يعتبر تبليغها واجبا شرعيا، فإن من واجبنا نحن كمهتمين بتجديد الخطاب الإسلامي، أن ندلي ببعض الملاحظات .

إننا نعتقد أن كل خطاب إسلامي يجب أن يستند إلى الدليل الشرعي من القرآن أو السنة النبوية، و يستحضر المقاصد الشرعية، سواء كانت عامة، كالقواعد الأصولية، أو كانت واردة في النص المستدل به صراحة أو ضمنا .. ففيما يتعلق بموضوع الوضوء، نستحضر قوله سبحانه وتعالى ((يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم )) (سورة المائدة.آية 6 _)، ورغم وضوح المقصد في هذه الآية الكريمة، يؤكد أحد الدعاة أن صحة غسل الرجلين تتطلب عدم ترك أي موضع من الرجل من غير غسل حتى ولو كان بحجم موضع رأس إبرة .. كما يؤكد نفس الداعية أن مسح الرأس يجب أن يبدأ من منبت الشعر وينتهي في آخره.

إن الذي يهمنا من استعراض هذا النموذج من الخطاب الإسلامي، وغيره كثير، هو تأكيد ظاهرة الانشغال بأدق التفاصيل والجزئيات المبالغ فيها رغم أن إغفالها لايؤثر في تمام الفريضة الشرعية وتحقيق مقصدها .. ومن شأن هذا الأمر أن يعسر على عامة الناس و يحدث لهم الحرج، فلا يرغبون في الإسلام مع العلم أن رفع الحرج والتيسير من القواعد الأصولية في شريعتنا السمحة .

إننا من خلال هذا المثال البسيط، نريد أن نصل إلى حقيقة مفادها أن الخطاب الإسلامي في زماننا يعاني في جزء كبير منه، من انشغال الدعاة بالفروع عن الأصول، وبالجزئيات عن الكليات، وأن تجديده يتطلب عكس ذلك .

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق