أخبارمنبر حر

“خرافة” نهاية أسطورة صحيح البخاري – تــابع

د. الصديق بزاوي

فهم الإسلام ليس واحدا

يتفاوت العلمانيون من حيث حدة تمسكهم بالعلمانية .. وقد لاحظ بعضهم أنه إذا كان من الممكن التسلم بأن الشريعة الإسلامية يمكن أن تشكل مرجعية لنظام حكم معين، وذلك بعد إعادة فهمها وتأويلها .. لكن، ذلك الفهم مع الأسف، قد يختلف ويتنوع إلى درجة التناقض، ويعبر أحدهم عن هذا الموقف قائلا :

بزاوي“فهم الإسلام وتأويله ليس واحدا، بل إنه يختلف كثيرا بين مذهب وآخر إلى درجة أننا يمكن أن نتكلم عن مرجعيات إسلامية وليس عن مرجعية واحدة”.

قبل أن نتطرق إلى الاختلاف الذي نجده في الشريعة الإسلامية والذي قد يشوش على اعتمادها كمرجعية سياسية، دعنا نتساءل : هل مثل هذا الاختلاف لصيق بالفقه الإسلامي دون غيره ..؟ وبمعنى آخر، هل هذا الاختلاف لا يشوب المرجعية العلمانية ..؟ وهل يمكن أن نتحدث كذلك عن مرجعيات علمانية وليس عن مرجعية علمانية واحدة ..؟

ينطلق العلمانيون من مرجعيات غير دينية، وإن كان لا يستطيع أحد أن ينكر كونها مقتبسة من الديانات السماوية بما فيها الإسلام، ويطلقون على هذه المبادئ والقواعد مصطلح (المبادئ الكونية) وهي في مجملها تراكمات تجارب إنسانية كعطاءات فلاسفة ومفكري عصر الأنوار، مثل روسو وفولتير ومونتيسكيو والقوانين النابليونية ومنظري الإيديولوجية المادية كماركس وانجلز، وبيانات ومواثيق دولية كبيان حقوق الإنسان والمواطن الذي تمخض عن الثورة الفرنسية ، وبيان حقوق الإنسان الصادر في الولايات المتحدة سنة ، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية الصادر عن . وغير ذلك من المواثيق والاتفاقيات ذات الطابع الدولي، والأعراف السياسية، وخاصة أعراف الدول العريقة كفرنسا وابريطانيا والدول الغربية المهيمنة .. وبصفة عامة كل ما يؤطر وينظر لأنظمة الحكم وحقوق الإنسان، شرط ألا يمزج بين الدين والحياة، وألا يصدر عن الحضارات الإنسانية الأخرى التي لا تسير في فلك الغرب، وعلى الخصوص الشريعة الإسلامية التي تشكل أقوى منافس للحضارات الغربية، والتي يتم تعتيمها وإنكار مزاياها واستفادة الغرب منها .

وعندما نرجع إلى واقع تطبيق هذه المرجعيات المنسوبة للغرب والتي توصف بالعلمانية، نجد الاختلاف على أشده، بين تلك المرجعيات وأسسها الإيديولوجية، وبين الأنظمة و المذاهب السياسية، كالاشتراكية والرأسمالية، بل إن الاختلاف نجده أيضا داخل نفس الإيديولوجية، كما هو الحال بين الاشتراكية اللينية والاشتراكية الماوية، بل وحتى بين اللنينية والسطالينية الهلتسينية والكورباتشوفية، وهي خلافات نشأت داخل نفس البلد وفي حيز زمني ضيق جدا، ونفس الظاهرة تعرفها الإيديولوجية العلمانية الليبرالية .. فهؤلاء رئاسيون وهؤلاء برلمانيون وآخرون ملكيون وملكيون دستوريون، وداخل نفس الإيديولوجية نجد تصنيفات متنوعة، فهذه اشتراكية علمانية وأخرى اجتماعية وديمقراطية سخية، وهذه ليبرالية متوحشة وأخرى ليبرالية موجهة .. أما عن اختلاف البرامج والتصورات وآليات التطبيق فحدث ولا حرج .. وتكفي إطلالة سريعة على واقع العلمانيات وسياساتها لإدراك مدى حدة ذلك الاختلاف والذي قد يجعل الممارسات العملية تتناقض مع القواعد النظرية للعلمانية .. ففي المناطق الجنوبية الشرقية من أوروبا احتفظت الكنيسة ببعض السلط، وأنها تشرف على التعليم في مناطق عدة، وأن الدولة الفرنسية عضو في كل الهيئات الكاثوليكية .. فهناك هيئات لوزراء الصحة ولوزاء التعليم ولوزراء التنمية الاجتماعية بصفة دوراستية بصفتهم كاثوليكيين .. وأن جميع الدساتير الأوروبية، باستثناء الدستور الفرنسي تحتفظ بنوع من العلاقة مع الدين .. وإذا كان هذا الاختلاف، بل قل الخلاف، أمر طبيعي ومقبول في الأنظمة العلمانية، فلماذا لا يكون مقبولا في المشروع الإسلامي ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق