أخبارمتفرقات

الوطنية بوجهة نظر بسيطة

بيروك الضبيالي زهرة

 الوطنية إيمان وخلق وسلوك وإحساس لا يقبل المساومة، يجعلها المواطن واقعا ملموسا يتجسد في حبه للدين و ولائه لوطنه وطاعته لولي أمره ومشاركته الفاعلة في تنمية بلاده وتطويرها والحفاظ على قيمتها الإنسانية المرتبطة بالعلاقة الروحية بين المواطن و وطنه

المواطنة الحقة تأتي من تحسس معنى الوطنية، التي تتجلى في حب الوطن والعمل على إعلائه والمحافظة عليه .. إن السلوك الحسن في علاقة الفرد بالوطن يدل دلالة واضحة على المواطنة الحقة في المحافظة لا التخريب .. البناء لا الهدم، والاحترام والاستعداد للدفاع عنه والسعي لرسم لوحة جميلة للوطن بدينه ولغته وحضارته وتراثه وأصالته وتقدمه وتطوره

 استمرارية المجتمع ونهضته مرتبطة بمدى نجاح البناء الاجتماعي الذي يعتني بالفرد ويرفع من مستواه وكفايته مادام هو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وكلما كانت اللبنة قوية، كان البناء قويا في مضمونه وشكله وحاضره ومستقبله، ولا يمكننا الحديث عن الوطنية إن لم يتحقق الولاء للوطن ولدستوره ولقوانين البلاد، مع ممارسة الحوار الديمقراطي الواعي وتأصيل العمل الجاد في تحسيس الفرد بمسؤوليته في بناء المجتمع .. لذا، وجب تعزيز الوطنية في الأسرة الصغيرة، لأنها المؤسسة الأولى التي تغرس روح الوطنية وحب الوطن في نفوس الأطفال، وانطلاقا من علاقة الأبوين بوطنهما واعتزازهما بوجودهما فيه وحجم التضحية التي يستحقها هذا الوطن، وكذا المنزلة الروحية التي تعطيها الأسرة للوطن وقيمته من خلالها، سننمي شعور الطفل بحجم مسؤولياته تجاه وطنه بترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية في علاقته بالأفراد داخل إطار وطن يعتز به ويكون مستعدا لحمايته

أما عن دور المدرسة في تنمية مشاعر المواطنة في المناهج الدراسية وطريقة التعليم، هي ركائز أساسية قادرة على تعبئة المتعلمين على حب الأرض والوطن الذي يعيشون فيه وينتمون إليه ليكون لهم دور في بنائه، ويكون دور المدرسة هو تفعيل معنى الوطنية من خلال تزويدهم بمهارات قيادية تبرز من خلالها احتياجاتهم والتعبير السليم عن تطلعاتهم، وكذا اتخاذ سلوكيات روتينية داخل المدرسة لتعزيز قيمة الوطن في قلوب الأطفال الناشئة .. إن للإعلام  دور هام من خلال البرامج الحوارية والوثائقية والمسلسلات الهادفة في تعزيز مكانة الوطن وقيمته، والعمل من خلال هذه البرامج التي يجب بلورتها على النحو الذي يخدم الوطنية وحب الوطن

للأحزاب السياسية دور كبير في غرس مفهوم المواطنة ودورها الأساسي في إنجاح العمل السياسي المرتبط بتطور الديمقراطية، وأن يتم تجسيد الوطنية أفعالا وليس أقوالا فقط .. تلك الأفعال العملية المحسوسة على أرض الواقع البعيدة عن النفاق والتزلق الذي يحجب الحقيقة ويقتل الإستراتيجية الوطنية الصحيحة، وأن تكون للشخصيات السياسية والقيادية والذين كثيرا ما نراهم يتبارزون في قوة العبارات الوطنية الرنانة أن تبرز وطنيتهم من خلال التضحية للذات الوطنية قبل البحث عن مصالح الذات الشخصية، والسعي قدما على تكريس مفهوم الوطنية داخل المجال السياسي، وجعل الطموح السياسي آو الحزبي مسلحا بمصلحة الوطن قبل مصلحة الأفراد، والعمل على تنمية الطاقات الشابة للولوج إلى المجال السياسي بأهداف تصب مجملها في مصلحة الوطن، وقبل ذلك ترسيخ العلاقة القوية بين الفرد والوطن لخلق جيل ببصمات وطنية فاعلة لا شعارات زائفة وأن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤولياتها تجاه حقوق و واجباتها الوطنية، وتعطي إستراتيجية لمستقبل حياتنا وحياة أحفادنا في ظل مصارحة وشفافية في مكاشفة للأخطاء الواقعة، ومراجعة للخطط والبرامج المعتمدة والمنفذة، ومحاسبة لكل مقصر ومتهاون في تحقيق رؤية الوطن المثالية

قد يؤثر حجم معاناة الفئة الشابة من تغيير نمط تفكيرها حول التشبث بالوطن ودعمه والتضحية من أجله، نتيجة مشاكل كثيرة تعاني منها هذه الفئة، والتي تعد الأهم  لاستمرار وطن كامل .. ومن هنا، سنطرح سؤالا وجيها، هل لدينا شبابا مستعدا للتضحية من أجل الوطن ..؟ في ظل شباب يسعى إلى الغربة كملاذ من جحيم معاناة داخل الوطن، وآخر يعاني في صمت من الفقر والعوز ومحدودية فرص العمل بجميع المستويات الدراسية والاجتماعية في ظل الزبونية والمحسوبية، لتعاني قلوب شابة بين جحيم المخدرات وامتهان الحرام آو العمل الغير مقنن في أسواق شغل ظلامية تفقد الراغب في العيش من ضمان مستقبله في ظل عمل لائق وفق مجريات قانونية يضمن بها حقوقه

.إن حجم المعاناة في صفوف الشباب يلاحظ من خلل تكريس خطط ممنهجة لعدم إشراك الفئة في بناء الوطن بمختلف مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظرة السوداوية التي أصبحت تطبع العلاقة بين الشاب و وطنه، وهو أمر خطير .. فحين يتجرد الشاب من انتمائه الروحي لوطن عاش فيه ويصبح متفرجا فقط يتحين فرصة الهجرة إلى وطن آخر، هو حجم خذلان من مؤسسات جعلت الشاب يرى نفسه خارج أسوار وطنه للأسف

إن الشباب عمود المجتمع يقوى ويبقى، ومن دونهم يضعف ويضمحل .. تقوم الأمم والأوطان بسواعد ونشاط وعلم الشباب فيها، كما أن قهرهم وتغييبهم والعمل على مسببات فشلهم وهجرتهم هو التخلف والتراجع عن ركب الحضارة والتقدم

الوطنية تكون قوية عندما يوفر الوطن عيشا كريما لشبابه والاهتمام الجاد بمجال تعليمه وتكوينه وتمتيعه بخيرات وطنه، وليس شباب يشعر أنه غريب في وطنه يعاني قساوة العيش .. يتخبط في مشاكل لا تعنيه، بل تعني مؤسسات كان يجب أن تعنى بظروف الشباب وتحسينها .. كيف سيضحي شاب من أجل وطن هو غائب فيه يعيش في مقابر ومساكن لا تتوفر على ادني الشروط الإنسانية ..؟ بينما أموال تتكدس في أبناك عالمية .. كيف يضحي شاب من أجل وطن فقد لغة الحوار فيه .. فقد الرغبة في الانتماء لأرض أصبحت جحيما تحت قدميه ..؟

رسالتي لمن يرى الوطنية في أهداف شخصية يزينها بشعارات مزيفة لا تلمس مشاعر حب الوطن داخله .. ذلك الوطن الذي تسعى إليه تنزله منزلة الابن والأخ .. ذلك الوطن الذي تقف شامخا لتحية علمه، وتردد نشيده الوطني بعزة وافتخار ..  ذلك الوطن الذي تكون مرآة له في الغربة، معتزا بماضيه، ساعيا من أجل حاضره الأفضل .. الوطنية ليست شعارا نرفعه دون تطبيق، ولا قماشا نحييه دون حب ومن دون وفاء، بل مشاعر صادقة تستلزم ممارسات في غاية النبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق