أخبارمنبر حر

واختلف المسلمون في الترحم على شيرين ..!

بقلم/ عبد الهادي مزراري

لا يمر حدث دون أن يظهر المسلمون منقسمون مشتتون مختلفون تحت قيادة أئمة كل إمام بما هم

في الأسبوع الذي ودعناه، ودع عالم الصحافة والإعلام صحافية ذائعة الصيت، هي شرين أبو عاقلة، وجه ألفه العالم بشكل عام والعرب بشكل خاص من خلال إطلالاتها اليومية عبر قناة “الجزيرة” القطرية لمدة ربع قرن، حتى صارت ملامحها أقرب إلى الإنسان العربي من ملامح أهل بيته

كونها فلسطينية وتنقل الأخبار من فلسطين المحتلة، من القدس وجنين وطول الكرم ورام الله وغزة، في أعقد صراع بشري على الإطلاق يتجاوز حدود السياسية من صراع ضد الاحتلال بين فلسطينيين وإسرائيليين إلى حدود الدين بين المسلمين واليهود

طالما نقلت شرين وقائع مواجهات في القدس بطابعها الديني الذي يمتد فيه الخلاف لآلاف السنين .. وهذا أيضا ما جعل القدر يضعها في قلب قضية تاريخية وعالمية وبشرية بمنزلة من زار وغزا وحرر وقاتل وناضل حول ذلك البيت عبر ألوف العقود

نهاية أجلها الذي كتبه الله لها، لم يكن موتا عاديا، بل بسبب رصاصة اخترقت رأسها لحظة تغطية عملية اجتياح قوات إسرائيلية في جنين، انطلقت الرصاصة من بندقية إم 16، بعدما صوب قناص إسرائيلي فواهتها بدقة نحو رأس الصحافية شرين وضغط بإحكام على الزناد وقتلها على الفور

طبعا، شكل المشهد في ذلك الصباح من يوم 11 ماي 2022، صدمة للعالم بأسره، وسارعت جميع وسائل الإعلام في المعمور لنقل الحدث ونشره، وانطلقت حملة التنديد على لسان مسؤولين سياسيين وحقوقيين في عدد من الدول والمنظمات

في غضون ذلك، تفاعل مئات ملايين الأشخاص مع هذا المصاب الجلل، ونشرت صور الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفوقة بعبارات الشجب والترحم عليها بلغات مختلفة ومن شتى الملل والنحل

إلى هنا كان كل شيء طبيعي، حتى خرج بعض الناس يفتون من منطلق الدين الإسلامي بعدم وجوب الترحم على شيرين أبو عاقلة، وبعدم جواز التوجه إلى الله لطلب الغفران لها .. مستشهدين بآية كريمة في القرآن، يقول الله فيها عز وجل “وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍۢ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَٰسِقُونَ

استند فريق الدعاة والشيوخ وبعض عامة الناس بهذه الآية لتأكيد الأمر بعدم الترحم على غير المسلمين، ويدخل في عداد ذلك الكفار والمشركون والمنافقون، ويعتبر هذا الفريق آل الكتاب النصارى واليهود ضمن قائمة الكفار والمشركين

من جهة أخرى، ذهب فريق آخر من الدعاة والشيوخ وبعض عامة الناس إلى وجوب الترحم على موتى النصارى وحتى اليهود، واستدل هذا الفريق بالآية الكريمة من القرآن التي يقول الله عز وجل فيها “إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”

بين تصديق هذا الفريق وتكذيب ذاك، والدخول في جدلية الترحم من عدمه على الميت غير المسلم، فقد قسم كبير من الناس القضية التي من أجلها استقبل رأس شيرين الرصاصة الإسرائيلية .. وعاد النقاش العقيم يحفر الهوة بين المسلمين كعادتهم

من أجل الحسم في هذا الموضوع، الذي لم يحسم لمئات القرون المظلمة من تاريخ المسلمين، يجب استعمال العقل والعودة إلى كتاب الله القرآن الكريم، الذي لم يخضع للتحريف .. ولكنه، خضع لتفاسير باطلة وتأويلات غير صحيحة

بالنسبة للآية الكريمة التي يستدل بها فريق المناهضين للترحم على شيرين لأنها مسبحية، وتقول الآية “لَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍۢ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَٰسِقُونَ”، لا يميز هذا الفريق بين الآيات التي نزل فيها حكم الله في وقائع تخص محمد النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين الآيات التي نزل فيها حكم الله بشأن وقائع تخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

قد يقول البعض وما الفرق بين النبي والرسول ..؟ نعم هناك فرق في توجيهات إلهية للشخص المبعوث خيرا للعالمين، تتعلق به، بأهله، بصحابته، بعموم الناس من الأعراب، بالمنافقين بالمشركين، بأهل الكتاب، حتى بالمخلوقات الأخرى من جن وملائكة، وبسائر الكائنات من ماء وشجر وحجر .. وإلا ما كان الله الخبير العليم استعمل في محكم كتابه صيغا مختلفة لمناداة النبي الرسول تارة أيها النبي وتارة أيها الرسول، وتارة باسمه محمد مقرونا بالرسالةذ

يجب على علماء المسلمين، أن يحرروا عقولهم ويعودوا لتدبر القرآن بقلوب واعية، وليس بالقيل والقال والعنعنة …

هناك آيات يخاطب الله فيها النبي الشخص وقت تنزل القرآن، يوجهه فيها لاتخاذ قرارات ضد أشخاص بعينهم، ويمنعه من اتخاذ قرارات أخرى، وقت تنزل الوحي وقبل إكمال الدين وتمام بنائه

كان صلى الله عليه وسلم من رقة قلبه وشدة رأفته بالخلق يحزن لموت مشرك أو كافر أو منافق، وكان يتألم، والله من فوق سبع سموات كان يعلم بألمه، فينزل عليه آيات لترفع عنه الحرج وترطب خاطره وتؤدبه في الوقت نفسه، قال صلى الله عليه وسلم “أدبني ربي فأحسن تأبيبي” .. فضلا عن ذلك، يخبره الله بأن مصير أولئك الذين يحزن لموتهم ويشفق لحالهم هم في نار جهنم وانتهى الأمر

هذه الآية ومعها آيات أخرى أكثر توضيحا، تؤكد أن الأمر يتعلق بحالة في حياة النبي وبأمر موجه إليه، ولا يمكن تأويلها لاستنباط حكم بعدم جواز الترحم على غير السلم، وإلا فإن الآية الكريمة تشمل كذلك المنافقين، والجميع يعرف بأن كثيرا من المسلمين منافقبن، فهل يجوز الترحم عليهم ..  وهل تجوز صلاة الجنازة عليهم والذهاب وراء نعوشعم إلى المقابر ..؟

عندما يموت الإنسان يكون دخل في حكم الله ليوم الحساب، ولا يحق لأحد كيف ما كان دينه أو إيمانه أن يفتي في مصير الميت “الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ”. قد يتوفر الإيمان ويغيب العمل الصالح، مع أن المؤمن الحقيقي لا يعمل إلا صالحا، كما قد يحضر العمل الصالح ويغيب الإيمان، وهنا يبقي الله عز وجل الحكم بيده

في النهاية، وتجاوزا لكل ما يمكن أن يصد التأويل الخاطئ بعدم الصلاة والترحم على موتى أهل الكتاب، يجب أن نستعمل مقياس النفع والضرر، حتى في حياتنا الآنية، فالذين يأمرون بعدم جواز الترحم على شيرين يفعلون ذلك ظنا منهم أنهم يدافعون عن الإسلام، وهنا تكمن الطامة الكبرى

 ففي قضية نصرة القدس، كانت شيربن في صف المسلمين ضمن أبناء بلدها ضد سلطة محتلة تعادي المسلمين، وبالنتيجة عندما يقول علماء من المسلمين بعدم جواز الترحم عليها وبأنها ذاهبة لا محال إلى نار جهنم، فهم يشهدون على أنفسهم بأنهم لا يكرمون من آزرهم حتى بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، بل يريلونه إلى نار جهنم، وأن لا ود لهم ولا عهد معهم، لأن موقفهم مخزي وسيظل عارا عليهم في مواجهة العالمين

لا بجب أن ننسى أن محمدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم استأوى مسلمين من صاحبته عند ملك الحبشة وهو مسيحي و وجد فيه النبل وأثنى عليه، كما أنه صلى الله عليه وسلم حزن لهزيمة المسيحيين عندما واجهوا الكفار من الفرس، والله من فوق سبع سنوات أنزل الوحي يطمئن رسوله ونبيه والمؤمنين من المسلمين والنصارى، “الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

صدق الله العظيم

رحم الله شيرين

طابت أوقاتكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق