أخبارالصحةحوارات

حوار مع شاب مصاب بالهيموفيليا .. رحلة معاناة لا تعترف بها القوانين

حاوره – عبد العظيم هريرة

في الوقت الذي يواصل فيه آلاف المصابين بمرض الهيموفيليا في المغرب مواجهة النزيف المزمن وآلام المفاصل وتكاليف العلاج الباهظة، يظل غياب الاعتراف القانوني بوضعهم ضمن فئة الأشخاص في وضعية إعاقة أحد أبرز العوائق التي تزيد من معاناتهم وتعقد حياتهم اليومية

 في هذا الحوار، يروي لنا الشاب (أ.ص) وهو مصاب بالهيموفيليا، تفاصيل رحلته مع المرض منذ الطفولة، وكيف تمكن من التعايش معه رغم صعوباته، قبل أن يصطدم بواقع إداري واجتماعي يزيد من هشاشته بدل دعمه

طفولة ثقيلة بالاكتشافات الأولى:

يبدأ ضيفنا حديثه بالعودة إلى السنوات الأولى من حياته، حين اكتشفت أسرته إصابته بالهيموفيليا بعد تكرار النزيف بشكل غير طبيعي ويقول:

كنت طفلا لا يفهم لماذا ينزف جسدي بهذه السهولة، ولماذا أحتاج إلى المستشفى أكثر مما أحتاج إلى ساحة اللعب، كانت أسرتي في حالة ارتباك دائم، تبحث عن تفسير وتنتقل بين المستشفيات وهي تحمل الكثير من القلق وقليلا من المعرفة

ويضيف أن طفولته كانت مختلفة عن باقي الأطفال:

لم أكن أستطيع اللعب بحرية، أي سقوط بسيط كان يتحول إلى مشكلة كبيرة، المدرسة كانت صعبة أيضا بسبب الغيابات المتكررة والعلاج المستمر

نزيف يومي وعلاج مكلف:

مع مرور السنوات، بدأت المعاناة تأخذ أبعادا أكبر، النزيف المتكرر داخل المفاصل – خاصة الركبة والكاحل – أصبح جزءا من يومياته يقول:

كل نزيف جديد كان يترك أثرا على مفاصلي، بدأت أعاني من صعوبة في الحركة، ومع الوقت أصبح الألم أمرا ثابتا ف حياتي اليومية

أما العلاج فكان تحديا في حد ذاته:

حقن عوامل التخثر مكلفة جدا، والحصول عليها ليس دائما سهلا، كانت أسرتي تتحمل أعباء مالية كبيرة، وفي كثير من الأحيان كنا نبحث عن بدائل أو ننتظر توفر الدواء

ويؤكد أن الجانب النفسي لا يقل صعوبة عن الجانب الجسدي:

تشعر أحيانا بأنك عبء على أسرتك .. خصوصا، عندما ترى التعب في أعينهم

تعايش بشجاعة ودعم محدود:

رغم كل شيء، تمكن من فهم طبيعة مرضه والتعايش معه تدريجيا حيث يقول:

تعلمت كيف أحمي نفسي، وكيف أتجنب المواقف التي قد تسبب لي نزيفا، احتجت سنوات كي أتقبل أن حياتي مختلفة، لكنني والحمد لله نجحت

كما يشير إلى أهمية الدعم الاجتماعي:

بعض الأصدقاء كانوا سندا حقيقيا، كما أن الجمعية المغربية للمصابين بالهيموفيليا والتي أنا عضو بها ساعدتني كثيرا خصوصا جانب الدعم النفسي والمعرفي اللذان يعتبران عنصرين مهمين للمصابين

إعاقة واقعية دون اعتراف رسمي:

أكبر صدمة في مسار ضيفنا لم تكن المرض نفسه، بل غياب الاعتراف بوضعه كمعاق رغم محدودية حركته، وبحرقة يروي يتبعها زفير طويل يقول:

بعد أن تضررت مفاصلي بسبب النزيف المتكرر، أصبحت أعاني من صعوبة في الحركة، تقدمت للحصول على بطاقة شخص في وضعية إعاقة لكن طلبي رفض

ويضيف بنبرة استياء واضحة:

القوانين لا تدرج الهيموفيليا ضمن الإعاقات، رغم أن المرض يؤدي فعليا إلى عجز حركي ومصاريف ضخمة، هذا الرفض يجعل حياتنا أصعب بكثير

ويبدأ في تعداد بعض الآثار المباشرة لغياب الاعتراف القانوني:

  • صعوبة الحصول على دعم العلاج
  • غياب التعويضات المناسبة
  • حرمان من الامتيازات الاجتماعية والمهنية
  • زيادة الضغط النفسي والشعور بالتهميش              
  • معاناة الأسرة وتأثير المرض على المستقبل

يشير ضيفنا إلى أن الأسرة غالبا ما تتحمل العبء الأكبر:

مرض الهيموفيليا لا يصيب الفرد وحده، بل يصيب الأسرة كلها، الخوف، الضغط المالي، الالتزامات الطبية .. إلخ، كل ذلك يرهقهم

أما بخصوص المستقبل، فيعترف أن الأمر ليس سهلا:

من الصعب التخطيط لمستقبل مستقر عندما تكون صحتك غير مضمونة، العمل، الدراسة، تكوين أسرة .. إلخ، كلها قرارات تتأثر بالمرض

رسالة إلى المسؤولين… وإلى المرضى:

في ختام الحوار، يوجه ضيفنا رسالة واضحة:

نطلب فقط الاعتراف بمعاناتنا، بطاقة الإعاقة ليست امتيازا، بل حقا يساعدنا على العيش بكرامة، العلاج مكلف، والحركة صعبة، والوضع النفسي هش .. كل هذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار

كما يخاطب المصابين الجدد قائلا:

الهيموفيليا ليست نهاية الحياة، بالصبر والوعي والعلاج المناسب يمكن التعايش معها، لا تخجلوا من طلب المساعدة، ولا تفقدوا الأمل

قصة الشاب (أ.ص) ليست حالة فردية، بل نموذجا لمعاناة أزيد من ثلاثة آلاف من المصابين بالهيموفيليا في المغرب، الذين يواجهون المرض بصلابة، لكنهم يصطدمون بجدار إداري وقانوني يزيد من هشاشتهم

 الاعتراف بوضعهم كأشخاص في وضعية إعاقة ليس مجرد ملف إداري، بل خطوة إنسانية وحقوقية ضرورية لضمان كرامة هذه الفئة وإعطائها ما تستحقه من دعم ورعاية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق