كلمة النقابة

القمة 26 والعجز على معالجة القضايا العربية المعلقة

انتهت القمة العربية 26، التي احتضنتها مصر، دون أن تتمكن من معالجة القضايا العربية الشائكة، التي فشلت القمم السابقة في احتوائها، ووقف تداعياتها، باستثناء الاتفاق على إنشاء قوة عربية مشتركة لمواجهة التحديات الكبرى، التي تواجه العرب في هذه الألفية الثالثة .. ومنها الإرهاب، المتعدد المرجعيات، الذي يريد فرض شرعيته على أنقاض الدول العربية القطرية، التي فشل معظمها في مواجهته، وآخره الإرهاب الذي تقوده “داعش” في العراق وسوريا وليبيا ومالي، والذي أصبح يتوسع في المنطقة بارتفاع عمليات التجنيد في صفوفه حتى من خارج الوطن العربي، هذا الإرهاب الأخير، الذي يقود مشروع إنشاء وإحياء الخلافة الإسلامية، الذي وجد من يشجع عليه في المنطقة العربية وخارجها، بعد أن فشل الربيع العربي في تحقيق أهدافه في المناطق التي نشأ فيها، والذي استغلته الجماعات الإسلامية الإرهابية لتوظيفه في عملياتها التدميرية، التي تقوم بها في بؤر التوتر الكبرى في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وهو الإرهاب الأعمى الذي توجهه مشاريع السلفية الجهادية والحركات التكفيرية والأصولية والإخوانية، التي تتربص اليوم باستقلال وأمن المنطقة العربية، وهو محصلة التساهل مع عمليات تشويه وتحريف الخطاب الديني الذي تمدد وتزايد نفوذه بعد عجز العرب على دمقرطة وتحديث وعقلنة أوضاعهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفشل الأنظمة العربية في معالجة قضايا الفقر والبطالة والمرض والقهر، التي تشترك فيها جميع الأنظمة من الخليج إلى المحيط، مما وفر التربة الخصبة للفكر الإرهابي التكفيري في نيل المشروعية الجماهيرية، وفرض نفسه كبديل حقيقي لهذه الأوضاع المتأزمة والكارثية، التي أصبح عليها العرب في هذه الظرفية التاريخية العالمية الصعبة، التي لا يمكن العيش فيها في مأمن من غياب شروط السوسيواقتصادية وسياسية وتحررية وديمقراطية، التي تتطلبها الحياة المعاصرة للأفرد والشعوب، فبالأحرى الدول العربية في وضعها الحالي الذي لا تحسد عليه.
منذ أن أصبحت للعرب قمة سنوية، أصبح الحلم العربي ينمو لدى كل عربي بأن سفينة العرب ستبحر كما تبحر سفن التكتلات الكبرى في العالم المعاصر، وأن هذا الإنجاز سيكون نحو تحقيق كل الآمال والأحلام التي تنتظرها كل الفئات الاجتماعية في الوطن العربي، وأن كل قمة عربية سنوية جديدة ستكون فرصة لاتخاذ القرارات العربية الشجاعة لكل الملفات المؤجلة، وأن نهاية كل قمة ستكون للإعلان عن المشاريع الجديدة التي تتطلع إليها الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، وأنها ستكون مناسبة سنوية لتجديد الالتزام والتمسك بالعهود القديمة والجديدة التي تربط بين أبناء هذه الأمة العربية في جامعتهم التي ولدت من أجل توحيدهم وفتح الطريق أمامهم ليكونوا كغيرهم من الشعوب التي تحررت من الاستعمار، وخططت لمستقبلها ولما تعيش عليه اليوم، في الوقت الذي فشلت فيه هذه الجامعة في إنجاز تطلعات العرب في الوحدة والديمقراطية والحرية والتنمية والتقدم، حتى أصبحت عبئا ثقيلا يمنع العرب من مجرد التفكير في المنهجية التي تمكنهم من الخروج من الواقع الذي يوجدون عليه اليوم، الأكثر بؤسا وتخلفا وتناحرا في جميع المجالات، ولو في نموذج الاتحاد الأوربي الذي انطلق من السوق الأوربية المشتركة إلى أن يكون اتحادا أوربيا بمؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم الاختلافات السياسية واللغوية والحضارية بين شعوبه، وليصبح قوة جهوية لها وقارها الدولي ووضعها السياسي، الذي يؤهلها لتكون معنية بكل ما يهم العالم اليوم .. ناهيك عن تكريس عناصر الوحدة في الكثير من مظاهر الحياة الأوربية الملموسة في المجالات الإدارية والقانونية والسياسية والثقافية بالمقارنة معنا كعرب، الذين يتوفرون على كل شروط قيام هذا الاتحاد العربي وفي أقرب الآجال.
إذن، عُقدت القمة، واختتمت أشغالها على حلم إنشاء القوة العسكرية فقط، وتأجيل معالجة القضايا العربية الكبرى، ولن نكون في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أكثر إحساسا بالمسؤولية من الذين حضروا هذه القمة الأخيرة في مصر، الذين تعاظمت مسؤوليتهم في ضرورة الحسم الجراحي في هذه القضايا التي لن تُحل عن طريق التأجيل المستمر الذي سيضاعف من آثارها السلبية على حاضر العرب ومستقبلهم، خصوصا بعد أن أصبح للإرهاب الذي يهدد الأمن القومي العربي أولويات أخرى تتناقض وانتظارات الجماهير العربية في العدالة والديمقراطية والتنمية والحرية، التي لم تتمكن جميع القمم العربية من تمهيد الطريق إليها، أو إلى بعضها في ظل استمرار هذا الزمن العربي الرديء والأغبر الذي تعمقت فيه ظواهر الفشل والتراجع في كل جوانب هذا الوجود العربي، الذي لا يتلاءم والمؤهلات العربية الكفيلة بوضع النهاية الحقيقية لكل الإشكاليات والجروح المطروحة على أكثر من صعيد، مما يعني أن القمة 26 لم تكشف حقيقة إلا عن استمرار العجز العربي على معالجة القضايا العربية الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق