متفرقات

فتنة الدجل الصهيوصليبي وما سمي ب. “الربيع العربي”

بقلم: ذ. محمد المصباحي *

ما من أحد منا إلا وقد يتساءل كم من الأشهر أو الأعوام سيدوم دوران دواليب الفتنة التي عاشها ويعيشها الواقع العربي تحت أوصاف ومسميات مستعارة ومختلفة وموشومة بشعاراتها الرنانة في ظاهرها وملغومة إلى حد خطير في باطنها وأبعادها وخصوصياتها وكل ما يتعلق بها .
عهد تنامت فيه الثقافات المستوردة مفرزة لغة سياسية مركبة بحلتها المفضوحة , هذه اللغة التي تم تدعيمها وتوسيع دائرة نفوذها ونمت في مهد وحضن الامبريالية الغربية على مر السنين بحيث أضحت مخدرا لا يمكن الاستغناء عنه … وان تلونت تلك الثقافة أي ثقافة الفتنة بألوان مختلفة تبعا لمراحل الصراعات المفتعلة والممنهجة من قبل الدوائر الغربية والتي عانت منها الأقطار العربية عبر الأزمنة والعصور , فان جوهرها لم يتغير بل تحول إلى حرب ذكية هادئة عن طريق إضفاء صفة الشرعية على جميع الأعمال المؤدية إلى تفتيت لحمة الشعوب العربية وتشرذم الكيانات الوطنية لها وتهشيش الحس الوطني لدى أفرادها كوسيلة مقيتة لفتح الأوطان إلى مزيد من نفوذ القوى الغربية الاستعمارية المتطرفة تحت شعارات مفبركة موجهة لذوي أصحاب النفوس الضعيفة والحاملين لفيروسات الهلوسة بغية إشعال نار الفتنة وتغذية النعرات الطائفية .
ومن طبيعة ثقافة حرب الفتن المستوحاة من نظرية العراب الصهيوني برنارد لويس والموجهة للشعوب العربية أن تحول دون إمكانية تخيل أية حل أو تسوية للازمات والأوضاع المفتعلة داخل الأوطان العربية من فبل الغرب الصليبي وان تمنع أي وفاق سياسي ثابت وأن تشل الإرادة الحرة المسالمة الموجودة أصلا لدى الفرد باعتباره اللبنة الأولى في تكوين المجتمع ،وكما لا يخفى على احد فان بدور وجذور ثقافة الفتنة تكمن في ثقافات مماثلة برزت عبر الفترات السابقة تمثلت في بعثرة أوراق المكونات المجتمعية داخل الدول العربية من خلال توسيع الهوة بين الشعوب وحكامها وعبر محيطها الخاص والعام كإفشال وحدة المغرب العربي عبر خلق كيانات وهمية وتسييس دور الجامعة العربية واحتضانها لأفكار مستوحاة من نظريات غربية ملغومة عبر الدسائس والعمالة وخيانة مواثيق الوحدة والقومية العربتين . كما أن الوظيفة الرئيسة لثقافة الفتنة تكمن في تحريف وحجب الجذور الاجتماعية والأخلاقية لشعوب الوطن العربي وإبعادها عن هويتها الحقيقية والسليمة والاستعاضة عنها بهوية مشبوهة ومزيفة . و التي تهدف في طبيعتها إلى سياسة التشجيع على العنف المهلوس ، فهي إذن ثقافة فقدان العقل والمنطق والأخلاق معا ليصبح كل شيء جائز ومباح دون الاكتراث لا بالشرعية ولا بالثوابت الوطنية والتاريخية ، وبالتالي فان النبذ وإقرار الشذوذ والمغالاة هم من نتائج هذه الثقافة وهي في جوهرها معادية لروح الديمقراطية وممارستها.
وثقافة الفتنة التي تغلغلت في المجتمعات العربية بصورتها الحالية ما كانت لتنجح وتنتشر بسرعة لا متناهية لو لم تجد المرتع الخصب لها ولو لم يتم تدعيمها بأحدث وسائل الإعلام الموجه ( قناة الجزيرة .العربية , الحرة …) والمعتمد على وسائل تقنية وبشرية هائلة ، وغزارة الأموال المنفقة في جميع مجالات الإعلام لبث سموم الفتنة والدجالة ( علماء الفتنة ) والترويج لديمقراطية فاشية ومهزوزة ومشروطة بالانقلاب على الشرعية وحمل السلاح والاقتتال بين الإخوة والدمار والتدمير ولو على أنقاض ووحدة الوطن .
لنصل إلى أن ثقافة الفتنة هي ثقافة عنصرية في الأساس مبنية على التشاؤم المطلق وعلى العقد النفسية والفراغ الروحي والديني والحسي المولد للتطرف بكل أشكاله وحب النفس وتطلعها وتعطشها إلى سفك الدماء والتنكيل بالجثث.
فثقافة الفتن تؤدي في نهاية الأمر إلى فقدان الحرية الفردية وممارسة الإرهاب المفروض بقوة السلاح ، فالشخص المهلوس بثقافة الفتنة يفقد حرية التعبير عن رأيه الصريح خارج سلسلة الأفكار المسبقة والتبسيطات الفكرية والثقافية السائدة والتي تم تلقينها إياه من قبل رعاة التطرف وعملائهم بالوطن العربي، وبالتالي فمن يسعى إلى الحفاظ على رأي إنساني حر بغض النظر عن الأفكار السائدة في محيطه يصبح منبوذا ومهددا في ممتلكاته وحياته ، وهنالك من يحاول استغلال هذه المجموعات المعقدة نفسيا ويحولها إلى مصدر سلطة سياسية وهو ما يؤدي بها إلى السقوط في مستنقع الممارسات الفاشستية والى فقدان روح الديمقراطية والحرية الفردية والتي تعتبر جوهر المواطنة الحقيقية . وفي هذا السياق ولقياس واقع العالم العربي وما يعرفه حاليا من دسائس ومؤامرات من قبل الغرب الصليبي مسخرا لذلك قوى وطنية متأثرة بسياسة ثقافة الفتنة من خونة وعملاء ومأجورين وعلماء الصهيونية الماسونية مع واقع العالم العربي في مراحل سابقة فكلنا يعلم أن نابليون حينما عزم على احتلال مصر قدم بين يديه مجموعة من العلماء والمفكرين ليمهدوا للغزو نفسيا وعلميا وفكريا وثقافيا ، وان أثرهم كان كبيرا في تقبل طائفة من المصريين لهذا الغزو وفي انسياق طائفة من هؤلاء نفسيا وفكريا لمحاسن الغزو الفرنسي.
وكلنا يعرف أيضا أن فرنسا حينما اتجهت إلى احتلال المغرب العربي قدمت بين يدي جيش الاحتلال جماعة من العلماء والمفكرين والأدباء والرحالين والجغرافيين ، ومن المؤسف أن نقول أنها قدمت بين يدي جيش الاحتلال مجموعة من رجال الدين الذين سخروا الدين للاحتلال وسخروا بعد ذلك الاحتلال للتشهير بالديانة التي يدين بها المحتل وهؤلاء جميعا مهدوا للاستعمار ، وكانوا هم الجيش الخفي الذي يمهد للمعركة لتخريب الأرض وإبادة العباد(مثلا ليبيا).
فلا عجب أن نرى نفس السيناريوهات تكرس على ارض بعض الدول العربية وخاصة الشقيقة سوريا بحيث تمت زرع الفتنة بين الشباب عن طريق التبشير والتدبير والترهيب مسخرين لذلك وسائل إعلامية بغيضة وعلماء من ذوي الرؤى القصيرة والفتاوى الحقيرة فغزت البلاد ووقع الاقتتال وجوع العباد وعم الفساد وفسح المجال للعبرية وهمشت لغة الضاد
كانت إذن سياسة ثقافة الفتن وسيلة من وسائل الغزو وكان هؤلاء “العلماء” و”المفكرين” والخونة والمفتنون فصيلة مهمة في جيش الاحتلال، ومن سوء الحظ كانت أقوى فصيلة مهدت لانهزام الحرية والديمقراطية في وطننا العربي .
ولا يمكن أن نذكر هؤلاء دون أن نذكر الأثر الذي تركوه في تحريف المقومات العلمية والحضارية لبلادنا العربية فقد نصبوا أنفسهم لكتابة تاريخنا فشوهوه ومزقوه وادخلوه في باب تاريخ العصور المظلمة.
وإذا كانوا قد نسوا أو تناسوا الجهود الحضارية والفكرية التي بذلها العرب في تاريخهم، فإنهم قد اتجهوا إلى جوانب الضعف في هذا وأصبح الحكم والحاكمون في نظرهم مجموعة من المتسلطين الذين استعبدوا شعوبهم وأضاعوا كيانها ليستطيع الغرب الاستعماري الهمجي استغلال سذاجة الشعوب العربية المهزومة والمشبعة بثقافة الفتنة أفظع استغلال ، ومن هنا يتحتم علينا أن ننظر بعين الحقيقة إلى الأمور والأحداث التي تشابكت وتكالبت على ارض وطننا العربي لنصل إلى انه لا مكان للصدفة لما يحدث اليوم في وطننا العربي لنجزم أن ما يحدث هو بداية تنفيذ حلقة من حلقات مشروع العراب الصهيوني برنارد لويس الرامي إلى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات صغرى ومحاولة القضاء على الإسلام والهوية الإسلامية، وعلينا استيعاب هذا النوع من التخطيط والتفكير الاستراتيجي الليبرالي الاستعماري، والانخراط في إعداد إستراتيجية وقائية في مختلف الجوانب الحياتية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية جيوستراتيجية وذلك بغية احتواء سياسة ثقافة الفتن التي نهجها وينهجها الغرب الصليبي في تشتيتنا وإرباكنا والعمل على إقبارها وخلق ديناميكية جديدة أساسها الصراحة بين الشعوب وحكامها، والجلوس تحت مظلة واحدة لتحديد الرؤى والأفكار وحل المشاكل والخروج من الدائرة المغلقة بعيدا عن التربصات الغربية الصهيوصليبية .

* محام، رئيس التحالف المدني لحماية الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق