أخبارنافذة على الثقافة و الفن

ٱلْكَأس للكاتبة ٱلْمسرحية ” حياة اشريف”

سعيدة الرغيوي

إنَّ ٱلْفَنَّ هو ٱلْحَلقة ٱلنّاظمة ٱلتي تُوَحد ٱلْمُخْتلف وتجعل ٱلنّاس ينسون ٱختلافهم ليتَذوَّقوا ٱلْعَمل ٱلْفَنّي / ٱلْأثر الفني لكونه مشتركا بين شعوب ومجتمعات وثقافات عِدّة.

وبما أننا هُنا بصدد تجربة في ٱلْكِتابة ٱلْمَسْرَحِية بصوت أنثوي..فإنّني لنْ أرتَهن لقراءة ٱلْعمل من زاوية أولئك ٱلّذِين يسعون لتجنيس ٱلْعمل / الأثر ٱلْفَنِّي من هذه ٱلزَّاوية ٱلضّيِّقة ..إنَّنِـي لن أَسْلُك هذا ٱلسَّبيل بل سأترك ٱلْعمل يتكلم ..يقدم نفسه للقارئ ..

بثقةٍ وعَزْمٍ تخْطو “حياة اشريف”، تجْربتها ٱلْإبْداعية في مجال ٱلْكتابة ٱلْمسرحية ( L’écriture Théâtrale) فبعد تجربتها ٱلْأولى ٱلْمَوسُومة بـ: ” خيطانة شيطانة “هاهي تخُوضُ تجربة ثانية بِخُطى ثابتة تمتَحُ خُيُوطها من ٱلْواقع ٱلْاجتماعي تَتَجسّدُ في مسْرح ٱلصّالون ٱلْمغربي ٱلْمعاصر؛ إذ تعملُ على إحيائه ببصمتها ولمستها ٱلْخاصة،فتنحو مَنْحَى ٱلْبسَاطة ولا تجنحُ نَحْوْ ٱلتّعقيد في مسرحيتها ٱلْجديدة ” ٱلْكأس/ Le trophée ..إذ ٱعتمدت فيها على خمسة عشر تَجَلّيا يضِجُّ

 بٱلْحِوار وٱلْأحداث وتؤثثه شخصيات وأصوات تجتمعُ لتُشكّلَ بِنية ٱلنّص ٱلْمسرحي Le statut de Texte Théâtraleٱلّذي نسجته أيضا أفضية وأزمنة عامة وخاصة  صالون، ڤيلا ٱلْميلياردير ،لحظةزمنية..جزء من ٱلثلث ٱلْأخير من ٱللّيل، ٱلدّار / la boîte ..منتصف ٱلنّهار، ٱلْفجر ، صالون ٱلْإقامة  Les discothèques..).

تشتغلُ ٱلْكاتبة بوعيٍ لتُعَرّي واقعَ ٱلْفنِّ ٱلذي بدورهِ ٱكْتسَحَتْهُ عُيُون ٱلسّمَاسِرة وأصْحَاب ٱلنُّفوذ ..هذه ٱلشّريحَة ٱلتي ٱسْتطاعتْ ٱلتَّغَلْغُلَ وٱلنّفاذَ حتى لعالم ٱلْإبْداع وٱلْفَن لتشْترِي كُلّ شيءٍ بٱلْمالِ لتصنع شُهْرَةً زائفة / عالم ٱلزَّيْف.

وبٱلتَّعمُّقِ فِي تجليات ٱلْعَمَلِ ٱلْمَسْرَحِي تأخذنا ٱلْكاتبة إلى سَبرِ عوالم ٱلْفَنِّ ٱلرّدِيء ٱلْمُبْتَذَلِ أو عوالم ٱلْمافيا وٱلْاشْتغال في ٱلْأعمال ٱلْمَشْبُوهَة وٱلتّجَليات تكْشفُ أيضا ٱستغلال أصحاب ٱلنُّفوذ لأصحاب ٱلْمَلَكات وٱلْمواهب وٱلطاقات ٱلْإبداعية وٱلفنية ( ٱستغلال مواهبهم) وَشِرائها دُونَ مُرَاعاةِ ٱلْحِسِّ ٱلْجَمَالِـي.

تشتغل ٱلْكاتبة بوعيٍ لتُعرّي واقع ٱلْفنِّ ٱلّذي بدوره ٱكتسحته عيون ٱلسّماسرة وأصحاب ٱلنُّفوذ؛ هذه ٱلشَّريحة “ٱلْمافياوية “ٱلّتِي ٱستطاعت ٱلتّغلغُلَ وٱلنّفاذ  إلى عالم ٱلْإبداع وٱلْفَن لتشتري كل شيءٍ بٱلْمال لتصنع شُهْرةً مزيفة/ عالم ٱلزّيف.

وٱلتّجليّات تكشفُ أيضاً ٱستغلال أصحاب ٱلنُّفوذ وٱلْجاهِ لأصحاب ٱلْملكات ٱلْإبداعية وٱلْفنية ( ٱستغلال مواهبهم) وشرائها دون مُرَاعاةِ ٱلْحسّ ٱلْجَمالي.

هاجسهم ٱلرّكض وراء ٱلشُّهرةِ وحصدِ ٱلْألقابِ وٱلْجوائز ٱلْفنية..إنَّهُ ٱلْفنُّ ٱلْمُقَنّعُ أو ٱقتسامُ ٱلْكعكة ٱلْخاصة بٱلنّجاحات ٱلزّائفَـة.

إنَّ ٱلْمُبدعة ٱلْمَسْرحية ” حياة اشريف” ٱنتهجتْ في كتابتها ٱلْإبداعية هاتهِ نهجَ ٱلسّرد ٱلذي تتداخلُ فيهِ أصواتٌ حِوَارِية لأسرة ٱلْميلياردير ٱلذي يشتغلُ رفقة ٱلْمافيا ويحاولُ ٱلتّخلص منها ومن تهديدها وتلميع صورته عن طَريقِ ولوجِ عالمِ ٱلْفنِّ وٱلْاستثمار فيه، لكنه ينتهي على يدِ زوجتِهِ بتسميمهِ لتُنْقذَ أولادها من قبضَةِ ” ٱلْمافيا” ولتنتقمَ لنفسها منه على إثرِ ٱكتشافها خيانتهِ لها.

استنتاج

من خلال هاته ٱلْقراءة ٱلْانطباعبة، أنخرط في تجربة ٱلْقراءة ٱلْمغامرة لِمُبْدعةٍ وكاتبةٍ مسرحية، تُرَاهنُ على جَعْلِ قضايا ٱلْمُجتمع مُنْطلقاً لإبداعاتها، فهي لا تنفكُّ تُسَائِلُ هذا ٱلْوَاقع لتنقلَ بعض صُوَرِهِ بأسلوبها ٱلْإبْدَاعِي، ٱلذي وإن كان ظاهر ٱللّغة يكشف عن ٱلْبساطة، إلاّ أن كتابتها ٱلْمسرحية هاتِه تَنِمُّ عن كونها ملمة بميكانيزمات ٱلْاشتغال ٱلْمَسْرَحي

في وثبةٍ واعيةٍ بأهمية ٱلْإبْداع في تعرية ٱلْواقع ونقله للجمهور .. ومن هنا تكون تجربتها قد ٱتخذت من ٱلْمرجعية ٱلْواقعية سندا لها لتؤسس واقعَ كتاباتها ٱلْإبداعية ٱلْمسرحية

أصوات ٱلنص ٱلْمسرحـي

يحضر صوْتُ ٱلذّات في هذا ٱلنّص ٱلْقَابِلِ للعرْضِ وٱلتَّشْخيص

حياة اشريف؛ كاتبة مسرحية تتأرجح بين ٱختزالات ٱلْواقعية وصوت ٱلذّات لترْسم تجربتها الثانية ٱلمَوْسُومة بٱلْكأس

 من خلال إمْسَاكِ ٱلْكاتبة بِخُيوطِ ٱلْمَكْتوبِ وتَشَظّيها فيه

إنّ هَذا ٱلْجِنْس من ٱلْكتابة صَرْخَةٌ لمحاربة ٱلْانْتِهازية .. لِكَشفِ ٱلْقِناع عن سُوقِ ٱلْفَنّ ٱلذي غزته ٱلرّداءَة وتسلل إليه – إن صَحّ ٱلتّعبير- سماسرة يُجِيدونَ ٱلْبيع وٱلشِّـراء

هذه ٱلتَّجربة تَرْتَهِنُ فِيهَا ٱلْكاتبة لأفضية ثانوية وفضاء رَئِيسٍ مُتَمَثِّلٍ في فيلا ٱلْميلياردير .. فتشارك مع ٱلقّراء / ٱلْقارئ ٱلْمُفْترض ٱلْوَاعِي بِكَوْن ٱلنَّصِ قابل للعرض وٱلشّخْصَنة

ٱلتِّماتية

اشتغلت “حياة اشريف” على تيمة ٱلْفّن من مُنْطلَقِ ٱلصّالُونِ ٱلْمَغْرِبِي ٱلّذي جعلتهُ نافذة للعرْضِ وفضاء مَفْتـوحاً لِتَمْريرِ خِطَابها ٱلْكامِن في ضَرُورَةِ ٱلْاهتمام بِٱلْفَنِّ ٱلْأصِيلِ، وإن لم تُعْلِنْ عن ذَلِكَ صَرَاحَةً

إنّ تجْربَتَهَا فِي كتابَةِ هَذَا ٱلنّصِ جَاءَتْ لِتَفْضحَ سماسرة ٱلْفَنِّ وَلِتَكْشِفَ بَعْض ٱلْمُمَارَسَات ٱلّتِي تَجْعَلُ ٱلْإبْدَاعَ مُحْتَكَراً من طَرَفِ فِئةٍ تَتَمتَّعُ بٱلنّفُوذِ وَٱلْمَالِ وٱلسُّلطة .. هاته ٱلْأخيرة ٱلتيوتَسْعَى لشرعنة ذلك بٱلْاعتِمادِ على سُلْطَةِ ٱلْمال .. إنها فئة تلهثُ وراء ٱلشهرة بطرق غير قانونية لا شرعية فتفرغ ٱلْعمل ٱلْإبداعي من جوهرهِ

– ٱلْفن بين ٱلْحقيقة وٱلتّسويق ٱلرّديء وٱلسّمسرة:

إنَّ ٱلْفنَّ من ٱلْمفروضِ أنْ يسمُو بٱلذّواتِ، لكن في هذه ٱلتّجربة من ٱلْكتابةِ ٱلْمسرحيةِ صار وسيلة بيدِ طبقةٍ ميْسُورةٍ توسلَتْها لِصُنْعِ شُهْرةٍ زائفةٍ، كما أن هذا ٱلنّص ٱلْمسرحي كشف عن واقع ٱلتّشتت ٱلذي تشهده أسرة ميسورة .. إذْ، كل فردٍ فيها لهُ عالمه ٱلْخاص .. فٱلزَّوجة منْهمكة عن ٱلْأبناء بأعمالها وعروضها خارج ٱلْوطن

سيدة أعمال وبٱلسّفرِ، وٱلْأبناء جل وقتهم بٱلسّهر في ٱلْملاهي وٱلْأب وقعَ نتيجة أعماله ٱلْمَشْبوهةِ في جَحِيمِ شبكةٍ إجرامية .. حتى ٱلْخادمة وهي هنا أضعف حلقة في هذه ٱلْأسرة تعيشُ بين عالمِ ٱلْحلم وٱلْواقع ..  هي وشائج أسرية مُفكّكة؛ لِكَوْنِ ٱلْهاجسِ ٱلْأول لدى ٱلْعائلة يكمنُ في تكريسِ مفهوم ٱلتفاوت ٱلطّبقي وٱلْانتصار لأصحاب ٱلنُّفوذِ ورسمِ صُورةٍ جَميلةٍ أمام ٱلْمُجْتمعِ، ولو على حِسابِ ٱلْمبادئِ وٱلْقيمِ

هي ٱلْبَسَاطةُ تُلوّنُ كتابتها، تميلُ في أسلوبها للمزواجةِ بين ٱللّسانِ ٱلدّارج

 (ٱلْعامية) وإقْحَامِ بعض ٱلْمُصْطلحاتِ وٱلْكلمات بٱللُّغةِ ٱلْفرنسية

تَقْترحُ علينا ٱلْكاتبة مسرحيتها في قالبِ حوارٍ حُبْكتهُ ٱلتّجليات، فٱلتّجلّي لغويا هو ٱلظّهور وعدم ٱلْاختفاء .. وكَأَنّ بٱلْكاتبة ٱختارت تبويبها لنصها ٱلْمسرحي بٱلتّجَليات لتستطيع كشف ورصد ٱلْحوار ٱلدّائر في ٱلصّالُون ٱلْمغربي، وحتى تُفصحَ عن طبيعة ٱلْعلاقات وتفضح ٱلْمستور وٱلْمُتسَتّرِ عنهُ، وٱعتماد ٱلْكاتبة على مُعجَمٍ متَنوّعٍ تحضر فيه كلمات بٱللّغة ٱلفرنسية وكلمات من ٱلقاموس ٱلدّارج، إضافةً إلى بعض ٱلْمُفْردات بٱللُّغةِ ٱلْإنْجليزية .. تضافرت كل هاته ٱلْعناصرِ وٱلْمُكَوّناتِ لتُفْصحَ عن واقع ٱلْمحكي وٱلْموصوف/ ٱلتّجليّات،

وبٱلرّغم من كون عنوان ٱلْعمل ” ٱلْكأس” لايقدّمُ القارئ أي معلومة عن محتوى ٱلْعمل .. إلاَّ أَنَّ ذلكَ يَجْعَلُ ٱلْقَارئ مُتشَوّقا لمعرفة مايوجد بين دفتي ٱلْكتاب، كيْ يتخلصَ من تيهه وتساؤلاته وفُضُولـه

عموما، إنَّ هذا ٱلْأثر ٱلْمسرحي ٱلْموسوم بٱلْكأسِ، جاء ليكشفَ ٱلنّقاب عن ظاهرة تكثرُ في أوساطِ ٱلْمجتمع ٱلرّاقي ٱلذي يشتري كل شيء بٱلْمال: ( ٱلْألقاب ٱلفنية) .. ٱلشواهد .. ٱلْمكانة ٱلعلمية …الخ

كانت هذه ورقة متواضعة في هذا ٱلْعمل ٱلْإبداعي ٱلْمسْرحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق