أخبارمنبر حر

حيرتني العناوين، فاختر ما شئت ..!

كتب ذ. عبد اللـه عزوزي

إن أخذت من وقتك الثمين بعض الدقائق، فلأنني أريد أن أفيدك بشيء، لعل أقله ماذا يجول في خاطري و نحن نمخر عباب هذا الصيف الحار..

ألتقي بكم ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى المبارك، الذي طهرنا و لا شك، و فتح أمام أعيننا نافذة دخلت منها نسائم الرحمة و الجنان .. و لأن دوام  الحال من المحال، ها نحن اليوم أمام أخبار الحرائق و الغرق و العواصف و شح المياه، و جلبة السياسة،  و الحشرات المبيدة للفواكه و الإنسان

 وسط هذه المشاهد المؤلمة، تطل علينا صور من أبعد نقطة في هذا الكون الغامض و العجيب، تعود ملكية تصويرها لوكالة الفضاء الأمريكية .. و أي كتابة لا تأخذ في الحسبان هذه المعطيات و مثيلاتها تظل قاصرة، أو مضيعة للوقت

* مسؤوليتنا كدولة و كمواطنين يجب أن لا تنتهي عند إخماد الحرائق .. فإذا كانت الحرائق كالحرب في أضرارها، فيجب التفكير في مخطط الإعمار، و الإعمار في هذا السياق يجب أن يكون التشجير، و بكثافة، و حيث أن الأشجار ترتبط ارتباطا وثيقا بالماء .. علينا أن نجدد نظرتنا و مفهومنا لهذه المادة الحيوية، فهو مادة غيرٌ مسلم بها (not to be taken for granted) فيمكن بين عشية و ضحاها أن “تصبح غوراً” .. فإذا كانت المساجد بيوت اللـه، فالماء، و لاشك، من منظوري الشخصي، هو الدال على اللـه و هو هبة من قيمة هِبَة الحياة، يساويها و يعادلها

* علينا، أن ندرك أن نتائج الحاضر  تعود أسبابها للماضي، و أن تدبير تحديات الصيف يجب أن يبدأ في الشتاء، كما أن تحديات فصل الشتاء يجب استباقها في فصل الصيف .. و نحن على مقاعد الدراسة في طور  الإعدادي و الثانوي كان أساتذتنا في مادة  الاجتماعيات يطربون مسامعنا بالقول: “المغرب بلد فلاحي ..” لكن، تبين لنا فيما بعد (بعد مرحلة النضج)، أننا لا نحن ببلد فلاحي و لا ببلد صناعي، و لا ببلد التجارة و الخدمات؛ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ .. فدون أن نوجه أصابع الاتهام لأي طرف، لأننا شعب المليون نسمة و نتحمل مسؤوليتنا جميعا، قَبِلنا بأن نستكين إلى العذاب المغلف بالسعادة .. السعادة التي نبنيها على الإضرار بالغير، و التلذذ بمسافة الصفر التي تفصلنا عن مستواه

* لو كان المغرب بلدا فلاحيا، فلماذا لا نجد الفلاح في صلب العملية التنموية (على غرار ما يُرَوَّجُ بيداغوجيا من ضرورة جعل التلميذ في صلب//مركز العملية التعليمية) ..؟

 لماذا ظل الفلاح عنوان الفقر والتهميش والأمية و الاستغلال طيلة عقود .. لماذا ظل مُحَرَّمٌ عليه الاقتراب من مياه السدود و الأنهار .. علما أن الماء بالنسبة له و لأشغاله و استثماراته هو كالطاقة أو الغاز الروسي بالنسبة لأوروبا

 على سبيل الذِّكر، فلقد اطلعت مؤخرا على مقتطف من رواية “المغاربة”، الصادرة سنة 2016، لكاتبها عبد الكريم جويطي يقول فيه: “شعب (يقصد الشعب المغربي) لم يكتشف العجلة إلا في نهاية القرن التاسع عشر .. شعب بقي يزرع و يحصد بالأدوات التي علمه إياها الرومان (المحراث الخشبي و المنجل و المدراة و الفأس ..) حتى الألفية الثالثة .. شعب كانت تعذبه و تفنيه موجات الجفاف المتعاقبة، وهو بجوار أنهار كبيرة و عيون مدرارة و لم يفكر أبدا في استغلال مائها .. شعب لم يهيئ طرقا  حقيقية بين مدنه، و كان ينتظر أشهراً عديدة ليخف منسوب مياه الأنهار ليعبرها..”

لقد شدني كثيرا المقتطف أعلاه، لأنه ينطبق تماما على واقعي الذي عشته كمواطن ينحدر من أسرة فلاحية استقرت بإحدى دواوير جماعة الوردزاغ، بتاونات الجبلية، التي عاشت نصفا من حياتها على ضفاف أجمل نهر بالإقليم، قبل أن تقايض انسيابه و حيويته بضاية ماء مترامية الأطراف تقترب من الركود .. أتذكر كذلك كيف أن أجدادنا و آبائنا، رحمة اللـه و رضوانه عليهم، ظلوا يقصدون سوق السبت أسبوعيا (كل يوم سبت) على ظهر الدواب نزولا و صعودا و عبورا لنهر ورغة، الذي كان يحرمهم التسوق لشهور إبان شَتَويات السبعينات و الثمانينات، دون أن تفكر الحكومات المتعاقبة في بناء جسور، أو شق الطرق، و حتى و نحن في سنة 2022، زمن ما بعد الدواب، فإن المسالك التي تسلكها سيارات النقل “السري” أو “المزدوج” هي جزء من إدانة تاريخية لسياسة التدبير و التعامل مع الفلاح المغربي و عالمه القروي

(يُتبَع إن شاء اللـه تعالى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق