
بوعلام صنصال .. حين يعجز النظام عن فهم الفكرة ..!
رشيد بوهدوز
في بلد أرهقته الشعارات الكبرى وابتلعته اللغة الخشبية، لا يزال النظام الجزائري يتعامل مع الفكر كما لو كان تهديدًا أمنيًا، ومع الكاتب كما لو كان جاسوسًا .. كأن الكلمة خيانة، والتساؤل جريمة
بوعلام صنصال ليس مناضلًا في حزب سري، ولا داعية فوضى، ولا زعيم جماعة تهدد النظام، هو رجل سبعيني، يكتب بهدوء، ويفكر بصوت مسموع .. لكنه، اختار أن يسأل وتلك، في منطق السلطة، جريمة لا تغتفر
اعتقال صنصال ليس فقط قمعًا، بل إعلان صارخ عن عجز فكري .. حين لا يستطيع النظام التمييز بين رواية أدبية وتقرير استخباراتي، بين مقال رأي ومؤامرة خارجية، فهذه ليست سياسة، بل فوبيا فكر
لم يكن صنصال في كتاباته يهدد الدولة، بل يضيء زوايا معتمة في ذاكرتها، لم يكن يهدم الجدران، بل يشير إلى التشققات التي تخترق السقف، ومع ذلك، تعاملت معه السلطة كما لو أنه خطر داهم، فزجّت به في المعتقل باسم “الأمن القومي” .. أي أمن هذا الذي يرتجف أمام قلم نحيل لرجل أنهكته السنون ..؟
لكن، ربما علينا الاعتراف أن النظام، برغم قسوته، لم يُخطئ التقدير كليًا، لقد خاف من صنصال لأنه فهم شيئًا أساسيًا، أن الفكر لا يزعج لأنه يصرخ، بل لأنه ينقّب في الذاكرة المحظورة، وسلطة قائمة على سردية رسمية واحدة، لا تحتمل رواية بديلة حتى لو جاءت في قالب أدبي
لا شيء يفضح هشاشة النظام أكثر من لجوئه إلى السلاح ضد سؤال، وإلى الزنزانة ضد فكرة .. لم يكن واجب السلطة، أن تسجن صنصال، بل أن تناقشه، أن ترد عليه، أن تفتح أرشيفها إن كانت واثقة منه .. لكنها، لجأت إلى ما تعرفه فقط: القمع
فبدل أن تواجه الفكرة، اعتقلت الجسد .. وبدل أن تصحح السردية، أغلقت الأبواب على الذاكرة .. وبدل أن تبني قوتها من شرعية الحوار، فضّلت أن تواصل العيش داخل فقاعة من الخوف
اليوم، بوعلام صنصال خلف القضبان .. لكن، فكرته تجاوزت القضبان، وكتبه لم تُصادر من الوعي، بل أُعيد اكتشافها .. أما النظام، فقد بدا أعزلًا رغم جبروته .. محاصرًا داخل سجونه الذهنية التي لا مفاتيح لها