أخبارمنبر حر

للسؤال وجاهته

ما الذي يميز شعبًا عن شعب ..؟

 

   *عبد اللـه فضول                                          

هل هي  طريقة العيش، أم نوع القيم التي يؤمن بها، أم كيف يتعامل مع مشاكله ..؟

نحن نلاحظ فرقًا واضحًا بين الشعوب في نظرتها للسلطة، وفي تعاملها مع الحرية، وفي فهمها للآخر المختلف،  ومسوّغ هذا السؤال هو الرغبة في تجاوز النظرة السطحية، والبحث عن الأسباب العميقة التي تشكّل هوية كل جماعة، فهو ينبع من حاجة لفهم الذات من خلال الآخر، ويكشف واقعًا يصعب تلخيصه بكلمات قليلة، وهذا يمكن ملاحظته من خلال السلوك اليومي، وطريقة التفكير، وحدود التسامح التي يرسمها كل مجتمع

غالبًا ما يُقال إن الهوية تتشكل من الدين، واللغة، والتاريخ، وهذه عناصر مهمة بالفعل .. لكنها، لا تكفي لفهم الفروق العميقة بين الشعوب، فهي تُكوّن ما يُعرف بالهوية الثقافية التقليدية، وهي أشبه بالمواد الخام التي تُبنى منها الهوية .. لكن، طريقة التعامل مع الزمن، والسلطة، والاختلاف، هي التي تحدد شكل البناء واتجاهه، وتُنتج ما يمكن تسميته بالهوية الديناميكية أو الحية .. فمثلًا، قد يشترك شعبان في اللغة والدين والتاريخ والمصير المشترك .. لكن، يختلفان تمامًا في طريقة التفكير، وفي شكل العلاقة بين الفرد والمجتمع

خذ مثلًا بعض الدول العربية التي تتحدث نفس اللغة وتدين بنفس الدين .. لكن، تختلف في مدى انفتاحها على التعدد، وفي طريقة ممارسة السلطة، وفي رؤيتها للمستقبل، هذا يعني أن الهوية لا تُختزل في العناصر الثابتة، بل تتشكل من طريقة التعامل معها، ومن السياق الذي تُعاد فيه قراءتها .. فإذا نظرنا إلى الأمة العربية، نجد أن علاقتها بالزمن ليست علاقة تطور، بل أقرب إلى التكرار والانقطاع، وكأن الزمن يدور في حلقة لا تنتهي، يُستعاد فيها الماضي، بدل أن يُبنى فيها المستقبل .. أما علاقتها بالسلطة، فهي علاقة خوف أكثر من احترام، وطاعة أكثر من نقاش، والناس يرددون قصصها في كل مكان، وعلاقتها بالاختلاف ما زالت متوترة، حيث يُنظر إلى الرأي المختلف كخطر، لا كفرصة لفهم أوسع

أما أغلب الدول الأوروبية، فنظرتها للزمن مختلفة تمامًا؛ فهو يسير بشكل متسلسل، لا يعود إلى الوراء إلا للتعلّم، ويُستخدم للتخطيط لا للتكرار .. فالماضي هناك يُفكك، والمستقبل يُبنى، والزمن يُعامل كفرصة للتقدم، وهذا يجعل العلاقة بالسلطة أكثر عقلانية، والاختلاف جزءًا طبيعيًا من الحياة، لأن الزمن نفسه يدفع نحو التغيير

الإنسان العربي البسيط، حتى لو لم يدرس الفلسفة أو السياسة، يشعر أن الزمن لا يساعده على التقدم، بل يجعله يعيش في انتظار دائم، ويفهم أن ما حوله لا يتغير فعليًا، وأن السلطة تبقى كما هي، وأن الاختلاف غير مرحّب به، وهذا لا يحتاج إلى كتب، بل يكفي أن ينظر إلى حياته اليومية، إلى وعود تتكرر، وسلطات تتبدل في الشكل لا في المضمون، وإلى رأي يُرفض قبل أن يُفهم

ولعل أول خطوة نحو تجاوز هذا الواقع تبدأ من تغيير نظرتنا للزمن، للسلطة، وللاختلاف، فحين يرى الإنسان الزمن كفرصة، لا كعبء، يبدأ التفكير في المستقبل، وحين تُبنى العلاقة مع السلطة على المشاركة، ومع الاختلاف على الفهم، تبدأ ملامح مجتمع جديد في الظهور .. الحل لا يأتي من تقليد الآخرين، بل من مواجهة الذات، وبناء وعي يرفض التكرار ويبحث عن معنى جديد .. فالمجتمعات لا تتغير بالشعارات، بل بإعادة التفكير في الأسس التي تقوم عليها، وبالجرأة على كسر الحلقة التي اعتادت الدوران داخلها

* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق