كلمة النقابة

المبدعون المغاربة ومحدودية الدعم الحكومي والشعبي

ما كان لنا أن نضع عنوانا بفضح جانبا من الإهمال الذي يواجهه المبدعون المغاربة، الذين لا يزالون خارج ما عرفته أوضاع نظرائهم في الدول التي وعت بالعلاقة الجذرية بين الحرية والإبداع، وبين امتلاك المبدع للوسائل المادية والقانونية، التي تحرضه على المغامرة الإبداعية، والواقع اليومي الذي يستطيع فيه ضمان قوته، فبالأحرى أن تتفتح موهبته على المزيد من العطاء، وهذا ما يمكن أن نستخلصه من ذكرى اليوم العالمي للملكية الفكرية، في دورته الخامسة للاحتفال بأحسن وأغنى المبدعين في مجالات الموسيقى والغناء والمسرح، الذي أقامته ليلة 17 مايو 2015، وزارة الاتصال والمكتب المغربي لحقوق المؤلفين.
بالفعل، تم الاحتفاء بالفنان الملحن عبد اللـه عصامي، الذي استطاع عبر أكثر من 300 لحن غنائي، أن يفرض نفسه في تاريخ الموسيقى المغربية، والذي غنت ألحانه أغلب نجوم الأغنية المغربية العصرية .. وإذ نهنئ في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، الفنان عبد اللـه عصامي بتكريمه هذه السنة، يحق لنا أن نتساءل عن جملة من القضايا، التي تهم الفن والثقافة في الوطن، وطبيعة التعامل معهما من قبل الحكومات المتعاقبة والشعب، وعن ما تحقق للإبداع بصفة عامة في المغرب ..؟ وهل وضع المبدعين المغاربة حاضر في التفكير الحكومي والتخطيط والميزانية ضمن الأولويات التي لاغنى عنها في تدبير الشأن العام، لما لها من تأثير في معرفة درجة تقدم الجميع أو تأخره.
عبر كل الحكومات المتعاقبة المنتخبة، لم يتجرأ وزيري الاتصال والثقافة للمطالبة بالزيادة في ميزانيات وزارتيهما لسد الخصاص الحاصل في المرصود للدعم الموجه للإبداع، التي تستحق القراءة والمشاهدة، لا نصيب للوزارة المعنية في إنتاجه وإخراجه، وحتى الذي يحظى بالدعم في الكتاب والمسرح والسينما والموسيقى يخضع الفوز به لاعتبارات خارجة دائما عن المبدعين، كما أن استمرار الإبداع غير ممكن حتى بالنسبة للذين حصلوا عليه، وما ينطبق على الثقافة والفن يمكن أن نعممه على البحث العلمي أيضا، كيف إذن يمكن الحديث عن الإبداع والمبدعين والواقع الملموس يكذب ذلك، وحتى المبادرات الجريئة التي تحدث تكون حالات شاذة ..؟
لن نستغرق في عرض الجوانب السلبية في السياسات الحكومية في المجال الثقافي والفني والعلمي، فأهل مكة أدرى بقصص ألف ليلة وليلة، التي لا يتحدث عنها المبدعون الحقيقيون الذين لا يجدون من يدعمهم حتى يتمكنوا من عرض أعمالهم الفنية أو الثقافية أو العلمية، بالإضافة إلى فشل التدابير والمؤسسات المعنية بتشجيع الموهوبين في الارتقاء بمهامها حتى الآن، وحضور الشعارات والبرامج الحالمة على الورق فقط، كما هو ملحوظ في تصورات الأحزاب والنقابات والجمعيات المعنية بالثقافة والفن والبحث العلمي.
لن نكون أحرص على الحقوق من المبدعين الذين حضروا الحفل، والذين تأثر الكثير منهم من حقيقة غياب العناية بالمبدعين في الوطن، والتي كشفها تدخل جلالة الملك لمعالجة الكثير من الفنانين، فبالأحرى من أن تتكفل الوزارات المعنية بهم وتحسين أوضاعهم وتشجيعهم على استمرار العطاء، إلا إذا كانت الوزارات الوصية تعتبر ما تقدمه في وضعنا الراهن أفضل ما يجب أن يمنح لمبدعينا، سواء الذين رحلوا رحمة اللـه عليهم، أو الذين لا يزالون يواجهون قدرهم الفني أو الفكري ولا يريدون التحرر منه، رغم المحن التي يعانون منها كغيرهم من كادحي هذا الوطن.
إن الحرية والدعم هي الطاقة المحركة للعقول والمهارات، ويستحيل تحقيق التفوق في أي مجال اقتصادي أو سياسي أو ثقافي أو رياضي بدون امتلاك الوعي بأهميته وشروطه وتوفر أدوات ورسائل ممارسته، فالمبدع في أي مجال لا يكون بالصدفة، وهذا ما ينطبق على تجربة الإبداع في المغرب، حيث نلامس ذلك في مستوى عطاء إبداعنا الثقافي والفني والعلمي بالمقارنة مع ما أصبح عليه الإبداع في الدول التي استوعبت مسؤوليتها اتجاه شعوبها مبكرا .. فالحكومات المتعاقبة في البلاد لم تضع الإبداع وأهله ضمن سياساتها العمومية، ويكفي النظر إلى نسب الأمية ورواج الكتاب والصحف ومشاهدة العروض الموسيقية أو المسرحية والسينمائية أوالأدبية للتأكد من مدى الإهمال الذي يواجه الإبداع والمبدعون عندنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق