ملفات و قضايا

حول مهزلة “مشروع مدونة الصحافة والنشر”(5)

من متابعتنا للمحور السادس من مشروع المدونة، نعتقد أن ما تم التأكيد عليه من ضمانات تسمح بتحديد الحقوق والحريات بالنسبة للصحفيين، سواء في إقرار الحماية القضائية لسرية المصادر والحق في الحصول على المعلومة، وفي حالة الرفض والضمانات الثانوية لحماية الصحفيين من الاعتداءات، وإلغاء العقوبة السالبة للحرية في حالة العود، وحصر الافتحاص المكاني في دعاوى المملكة، وإرساء آلية التحكم في المجلس الوطني، وتمديد أجل التصريح بالمحررين وجعله مرهونا بوجودهم، وتمكين المهنيين من المساهمة في تطوير التشريعات الصحفية، بينما الواقع الفعلي يكذب ذلك، ويكفي أن نستدل على ذلك في كل أبواب ومواد الأقسام الثلاثة، التي تعنى بتقنين الممارسة والغرامات المنصوص عليها في حالة عدم الالتزام بهذه المسطرة القانونية، التي ترهن الممارسة المتاحة للفاعلين فيها.
ففي ما يعني الباب السادس المتعلق بالصحافة الالكترونية، الذي يتحدث عنه مشروع المدونة في المواد من 33 إلى 43، يتعلق بالروح المتخيلة للإجرام والانحراف المحتمل من قبل العاملين في هذه الصحيفة أو الموقع الالكتروني، دون أن يكون لأنظار اللجنة العلمية إحاطة بما يعيشه العالم الافتراضي من فوضى وإشكاليات تتفوق في الكثير من الأحيان على خبرة الشركة المالكة والحاضنة للصحيفة الالكترونية، والتي يمكن أن تبرز فيها أخطاء خارجة عن سيطرة الطاقم المحرر لهذه الصحيفة أو الموقع الالكتروني، وكما أن مجال الصحافة الالكترونية على المستوى الدولي لم تتمكن الدول المتقدمة في التكنولوجيا أن تضبطه وتوجهه وتقننه حسب مرجعيتها، فكيف سيكون الأمر بالنسبة لنا في الدول الحديثة النمو التي لم تعرف الحروب المفتوحة في هذا المجال الافتراضي، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن رؤيا اللجنة العلمية حول هذا الموضوع، والذي نخاطب فيه الفاعلين في الصحافة الالكترونية بلغة سلطوية واضحة، وكأن الفاعلين في المجال يملكون ما يمنعهم من عدم الوقوع في الأخطاء الخارجة عن إرادتهم ..؟
في القسم الثالث من مشروع مدونة الصحافة والنشر المتعلق بالعقوبات في الدعاية الخاصة واختصاص المحاكم والمساطر المتبعة أمامها، نجد في الباب الأول منه في الفرع الأول الخاص بحماية النظام العام أن التقاضي بالغرامات هو لغة التواصل مع المنشور أو الموقع، كما نصت على ذلك المواد من 76 إلى 79، حتى وإن لم تكن للصحيفة أو الموقع إرادة في ذلك، إلى جانب إمكانية تكييف الخطأ حتى وإن انعدمت أسبابه الموضوعية، مما يعني أن أصحاب المشروع يمتلكون وعيا مسبقا يستحضر نظرية المؤامرة من الصحيفة أو الموقع، خصوصا إذا كان واضحا في خطه التحريري اتجاه القضايا التي يتناولها وما يستلزم البحث والمراجعة في فصول هذا القسم الثالث ما جاء في الفصل الأول منه المتعلق بالمس بكرامة رؤساء الدول والممثلية الدبلوماسية، حيث يحق لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التساؤل عن أخطاء رؤساء الدول والممثلين الدبلوماسيين في حق الوطن وبقية مقدساته، إن كان الصحفي أو المدون سيعاق بالغرامات اتجاه هؤلاء، فهل في مثل هذه الحالة يعتبر الصحفي والمدون المنتفض لصالح الوطن ومقدساته مدانا ومتهما مفترضا ..؟.
في الباب الثاني من القسم الثالث، الخاص بالاختصاص والمساطر، وفي فصله الأول المتعلق بالأحكام العامة في موادها 96 – 97 و 98، وفي الفصل الثاني المتعلق بالأشخاص والمسؤوليات في مواده 98 و 99، وفي الفصل الثالث الخاص بالمتابعات في مواده من 100 إلى 102، وفي الفصل الرابع في سقوط الدعوى العمومية في مواده من 102 إلى 104، وكذلك الأمر في الفصلين الخامس والسادس المحدد في موادهما من 105 إلى 140، أننا أمام ضرورة المتابعة القضائية التي كنا نعتقد أن الجسم الصحفي والإعلامي لن يتعرض لها، وستقتصر على قرارات وعقوبات المجلس الوطني للصحافة، فأين هو الالتزام بنفاذ وإلغاء الملاحقة القضائية الذي يوجد عليه إجماع وطني ..؟ وكيف لنا أن نتحدث عن قيمة مضافة جديدة في مشروع المدونة التي تستهدف تقليص مسافة حرية الصحافة والإعلام التي لا مفر منها حتى يستطيع الرأي العام أن يجسد نفسه كسلطة رابعة تضمن للمواطنين الحق في الخبر والمعلومة والمساءلة لصانع ومنفذ القرار في الوطن ..؟
تقودنا هذه المقاربة لمواد وأبواب هذا القسم الثالث إلى أن إرادة المشرع تستهدف كل المقاولات الصحفية الورقية والالكترونية، التي لم ترتق بعد في نظمها إلى نموذج المقاولات التي تسيطر على المشهد الصحفي على مستوى النشر واحتكار الإشهار، في الوقت الذي تعتمد فيه على اشتراكات الإفراد والمؤسسات والمقاولات وقراء المقاهي، أما رواجها التلقائي في السوق فهو محدود، كما أن هذه المقاولات هي التي تعنى بالعقوبات والغرامات التي نصت عليها، سواء هذا القسم الثالث، وهذا ما يطرح السؤال حول الجدوى من هذه الديباجة لهذه القوانين التي لن تكرس الطبقية بين الفاعلين، وتسمح لأسماك القرش باحتكار واستئصال كل الامتيازات والمصالح التي جاءت بها المدونة، التي لم تقدم بديلا يمكن الاستئناس به في الاطمئنان على مستقبل المشهد الصحفي والإعلامي في الوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق