منبر حر

الحصاد الانتخابي .. مابين الواقعية السياسية والانتهازية المرحلية

 

 

MAHMOUD AYACH

*الدكتور محمود عياش

شكلت الانتخابات الأخيرة التي شهدها المغرب، فصلا جديدا من فصول الاستثنائية والتمايز السياسي في بلد يحاول أن يخلق نموذجا ديمقراطيا مخالفا لما هو عليه الحال في بلدان المنطقة المغاربية، وذلك وفق مقاسات محددة سلفا، تمزج مابين الحداثة والتقليد في توليفة هجينة، يرى البعض أنها تساير ما يعتمل في المجتمع المغربي من مد وجزر سياسي، و مايموج به الحراك الاجتماعي من مطالب وانتظارات، هذا الحراك المتشظي بفعل انتهازية الفاعل السياسي وتقاعس الفعل المدني عن القيام بأدواره.

كانت المحطات الانتخابية الأخيرة، حدثا سياسيا أظهر بشكل واضح وجلي أمورا ظل مسكوتا عنها لسنوات طوال، تتعلق بطبيعة المجتمع المغربي، الذي عرف تحولات جذرية مست مختلف أدواره، وعكست قدرة الفاعل السياسي على التكيف مع المتغيرات، وحسن استغلال وانتهاز الفرصة، في حين تواطؤ الفاعل المدني، وتم تحييد المتمرد منه وتلجيمه، وأبان النظام السياسي عن كفاءة معهودة في إدارة مثل هذه الاستحقاقات، واستثمارها بشكل يخدم أجندته.

1-من مجتمع مأزوم إلى مجتمع متواطئ.

عادة ماكان ينظر إلى المجتمع بأنه يعيش في وضعية صعبة، نتيجة ظرفية اقتصادية مأزومة، وواقع اجتماعي محتقن، ويتم التسويق بقوة لهذه الصورة القاتمة بغية استمالة الفئات المسحوقة من المجتمع، والتعاطف مع الطبقة المتوسطة، وعدم إثارة حفيظة الوجهاء ورجال المال، وذلك من طرف النخبة السياسية المتحفزة للانقضاض على الغلة السياسية.

إبان توالي الاستحقاقات الانتخابية عن ظهور حالات الردة السياسية، فبعد أن كان المجتمع ينتصر للفئات الفقيرة والهشة، ويستجيب بتلقائية كبيرة، لنداءات الاحتجاج التي تطلقها الحركات الطلابية والنقابية والمدنية والحزبية، إلا أنها أظهرت تبرما عن الالتفاف حول الفضاء الاحتجاجي، وبالتالي لم تعد حاضنة طبيعة له و وقودا لهذه الموجات الاحتجاجية، وفضل الارتكان إلى الخلف، وتقمص دور المتفرج السلبي و غير المتفاعل، في انتظار الفرصة للاستحواذ على الحصاد الشعبي.

هذا المجتمع المثخن بالإعطاب، والمثقل بالإحباطات هو من يفرز نخبا هجينة، تحسن التعاطي مع الأوضاع و تحويل عوائد اللعبة السياسية لصالحها.

2-الساسة الكبار: النجاعة السياسية بأقل الخسائر.

أثبتت الانتخابات الأخيرة، أن كل شيء ممكن الحدوث، فالمرجعيات الفكرية والإيديولوجيات السياسية، ذهبت أدراج الريح، فتماها اليساري والليبرالي، وانفرطت عرى التحالفات التاريخية، والتقت المصالح المرحلية، وطفت على السطح الانتهازية السياسية في أبهى حللها، فحورت إرادة الناخبين وعكست تشكيلات المجالس المنتخبة، إنها مرآة عاكسة، لما يعتمل في المجتمع من تجاذبات، وبالتالي فإن الأصوات الشاذة القائلة، بأن إرادة الناخبين، زورت وشوهت، هي مجرد ادعاء لأن ما يجري في المجتمع من أحداث، تثبت انخراطه في اللعبة السياسية وفق ضوابطها الجديدة، فمايجري في رأس الهرم السياسي هو انعكاس طبيعي لما يحدث في قاعدته، فالنتيجة التي وصلنا إليها هي محصلة، لما يجري في أسفل الهرم المجتمعي.

انتخابات المجالس الجماعية والجهوية وحتى مجلس المستشارين، أعادت إلى الواجهة، طبيعة النظام الانتخابي الذي لا يمكنه إفراز أغلبية مريحة، كما أن التقسيم الانتخابي يعطي فرصة كبيرة لعملية الإنزال الانتخابي، وبالتالي التحكم المسبق في النتائج، ينضاف إلى ما سبق إمكانية حدوث الحياد السلبي الذي يفتح الباب على مصراعيه لاستعمال المال بقوة،
الحكومة الحالية توجد في مفترق الطرق، أمام التحالفات التي أفرزها انتخاب رئاسة مجلس المستشارين، والتي تؤكد بداية التصدع الحكومي، وتشي بتحالفات جديدة في أفق الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة.

3-النظام السياسي :الفائز الأكبر في العملية الانتخابية

تأكد مجددا العودة القوية للنظام السياسي، ليتربع على سدة إدارة دفة العملية السياسية، بشكل مريح، فبعد قدرته على امتصاص الاحتجاج الاجتماعي، ونزع فتيل الانفجار الاقتصادي، والإسراع إلى إخراج الوثيقة الدستورية، وحشد الإجماع المدنى والسياسي والشعبي لها، وقطع الطريق على الأصوات المطالبة بضرورة تكليف لجنة تأسيسية تشرف على إعداد الدستور الحالي، و أيضا في ظل غياب أصوات قوية منادية بمقاطعة هذه اللحظة الانتخابية، تمكن النظام السياسي من أن يدفع الجميع أغلبية ومعارضة، إلى الانخراط في اللعبة الانتخابية، رغم علم بعضها مسبقا، بضاءلة فرصها في النجاح، وكأنها بهذه المشاركة، تتقي شر النظام و تعبر عن تعلقها بثوابته.

أبانت التقارير الأولية للملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات المغربية، عن مرورها في أجواء كفلت نزاهتها، رغم استعمال البعض للمال، وتواطأ وحياد سلبي من طرف بعض أعوان الإدارة خاصة في الأرياف و القرى.

ينضاف إلى ماسبق هو أن الحكومة الحالية ليست في حل من تحمل مسؤوليتها التاريخية، في كل ما جرى في هذه الانتخابات، التي مرت تحت إشراف رئيس الحكومة، الذي أوكل مأمورية متابعة كل مجرياتها لوزيري الداخلية و العدل.

رغم ما أثير من نقاش حول موضوع الانتخابات، فإن المغرب – في إطار احترام ثابت للاختيار الديمقراطي- مطالب بمراجعة نظامه الانتخابي، وتوفير الضمانات القانونية والسياسية والإدارية، وخلق لجنة مستقلة للانتخابات، لتطوير أداءه الديمقراطي، الذي لازال في حاجة إلى جرعات قوية من الديمقراطية، وفق ما هو متعارف عليه دولياً.

*باحث في علم السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق