للمستقلة رأي

حول علاقة الطابور الخامس بالنخب المجتمعية وأهداف خدماته

استفهام

إن مفردة الطابور الخامس في مضمونها المجالي والمتداول والمتعارف عليه تعني بصفة مباشرة أولائك الذين يعتبرون أنفسهم حملة المعرفة والتأهيل الاستراتجي في جميع التخصصات، المؤهلين لفرض وجهات نظرهم وفرضياتهم وتوصياتهم وحلولهم على العاملين والمستهدفين من خدمات أي قطاع ينتمون إليه، سواء كان إنتاجي أو خدماتي أو معرفي أو أيديولوجي .. أولائك الذين يعتقدون أنهم الصفوة المختارة وأهل المعرفة المطلقة وأهل الحل والعقد، الذين يتوجب على المجتمع ومؤسساته وطبقاته الاستئناس بمنتوجهم النظري والتطبيقي وبأوهامهم وأحلامهم وخلاصاتهم واستنتاجاتهم، ودونهم لا قيمة ولا معنى لأي اجتهاد أو إبداع أو حلول أو خلاصات، حيث منهم تكون نواة البحث، ومنهم تتم صياغة قوانينه وحلوله.

إن الأغرب في تداعيات هذا الطابور الخامس على محيطه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي أن له القدرة على ملاءمة وضاعة سلوكه الانتهازي الفاسد مع جميع الأوضاع والضغوط التي يواجهها، وقليلة هي المناسبات التي يخطئ فيها في مشاريعه التذميرية والهيمنية، ويستحيل انتظار النتائج المعاكسة للفرضيات أو المقدمات التي يعمل عليها في السر والعلن، كما أن له من القدرة على التلون والاندماج السريع في الأوضاع والعينات التي يختارها من ضحاياه حتى وإن تم التسليم بأنه سيكون في مستوى الخدمات المطلوبة منه، وما يميزه أنه يسخر المشترك مع الآخرين في القيم والمبادئ والتصورات لخدمة أهدافه النفعية حتى وإن تعارضت هذه القيم والمبادئ والتصورات مع السلوكات الوضيعة والمنحرفة التي يتباهى بها أمام الجميع، أو حتى وإن أدرك أنه محاصر ولا يمكنه الاستمرار في استغفال الآخرين وإن كانوا من فئته وطبقته ونموذجه المتعفن والحربائي والوصولي، وما أكثرها المواقف والأحداث التي يبرهن فيها عن وجهه الحقيقي الذي تفشل جميع المساحيق والأقنعة في إخفاء أو تجميل دعارته الملموسة.

نحن في جريدة المستقلة بريس الإلكترونية، لا نشكك في مؤهلات الطابور الخامس، لكن سوء استخدامها فيما يترجم الطابع النفعي الانتهازي هو الذي يوجه ملاحظاتنا وانتقاداتنا، وخصوصا نموذج الطابور الخامس الذي يدعي الإيمان بفكر اليسار وامتلاك الاجتهادات في مرجعيته، حيث اتضح في واقع أحزاب ونقابات هذا اليسار الاشتراكي بالتحديد .. هؤلاء الفقهاء والخبراء في المرجعية اليسارية القادرون على إدارة معارك اليسار، بينما تبين أن مبادراتهم النضالية كانت انتهازية وحربائية ونفعية، مما ساهم في تأزيم منظمات هذا اليسار الحزبية والنقابية .. ويكفي دون أن نشخصن مآل المنظمات الفاعلة فيه، سواء المشاركة في العملية الديمقراطية أو المقاطعة لها، وما قام به هذا الطابور من عمليات تجفيف واغتيال وتخريب لهذه المنظمات التي تجد نفسها اليوم عاجزة على تكريس شرعيتها، فبالأحرى تحقيق التقدم في المجال التنظيمي والتأطيري، ومن يريد الاقتراب من الأمثلة فله الوضع التنظيمي للأحزاب ليقف عند النماذج الملموسة على سلوكات هذا الطابور الخامس الذي بحث له اليوم عن الضحايا في جميع الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني الذي يقدم خدماته اليوم لحزب العدالة والتنمية.

نحن لا نعمم اتهامتنا للأدوار التي يقوم بها هذا الطابور، فلا يزال فيه من يحترم اختياراته والقيم والمبادئ التي نشأ عليها وتفرض عليه الوضوح في المواقف والعلاقات والمبادرات، لكن الأغلب والأكثر حضورا هو النموذج الذي بينا حقيقة خلفياته وأهدافه ودوره الانتهازي النفعي الواضح الذي يجب على الأحزاب الليبرالية واليمينية الانتباه إليه حتى لا تعيش الأزمات التي يواجهها اليسار في أحزابه ونقاباته ومجتمعه المدني، وللتأكيد، فهذا الطابور الخامس لا عقيدة ثابتة له، سواء في الاختيار الديني أو الحزبي أو النقابي أو الثقافي، فهو جاهز لتقديم الخدمات حسب المنافع والمصالح التي يحددها، وللأسف لا يزال يعتقد أنه الصفوة المختارة والنخبة المستنيرة التي لا غنى للمجتمع عنها، وهذا منتهى العبثية والغوغائية التي وصل إليها في وظيفته المجتمعية، خصوصا في مجتمعاتنا العالم ثالثية التي لا يزال فقراؤها ومقهوروها ينخدعون بخطاب الطابور الذي يدعي صلاحيته المنتهية بتوجهاته الطبقية الضعيفة الواضحة.

للموضوع بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق