المجلس الوطني للصحافة والمسؤولين عن ولادته القيصرية
يظهر من مضامين ما نشر حول المجلس الوطني للصحافة، والاتفاق التاريخي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية وجمعية الناشرين، التابعة للهيئة الوطنية للإعلام وناشري الصحف، أصبحت تتجه إلى إيجاد المبررات لهذه التطورات الأخيرة المرفوضة من قبل الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي أعلنت عنها منذ صياغة قوانين الصحافة والنشر في عهد حكومة عبد الإله ابن كيران، والشروع في تطبيقها في عهد حكومة سعد الدين العثماني، واستمرار العمل بها في عهد حكومة عزيز أخنوش حاليا
إن الاختلالات ليست في المجلس الوطني للصحافة، بل في القانون المنظم لانتخابه واختصاصاته، التي حولته إلى سلطة تنظيمية لقطاع الصحافة في ظل وجود الوزارة الوصية على قطاع التواصل، وتحويله إلى مقاولة صحفية وطنية مسؤولة عن استمرار ودعم جميع المقاولات الصحفية الخاصة، والتحكم في شؤونها المالية والمهنية والإدارية والقانونية، وممارسته الوصاية على الدعم من المال العمومي، الذي منح للمجلس الحق في تقرير مصير الصحافيين ومقاولاتهم، كما عرف ذلك المهنيون عن قرب خلال الانتداب الأول لهذا المجلس، الذي تجاوز إطاره الاستشاري والاقتراحي في هذه الولاية، التي تفكر الوزارة الوصية على القطاع في إعادة النظر فيها عبر إقرار المنظومة التي تجعله أداة تحكمية وقمعية ضد المهنيين، مما يتعارض والأهداف المعلن عنها قبل تشكيله، ومجموع الاتفاقيات العربية والدولية، التي صادق عليها الوطن، والتي حددت اختصاصات المجلس الوطني للصحافة، الذي يجب أن يخضع لانتخاب ديمقراطي نزيه تشارك فيه كافة المنظمات النقابية المؤطرة لمهنيي الصحافة والإعلام
لن نتحدث عن حاجز المجلس الوطني للصحافة وأخطاء ولادته القيصرية .. فالجميع، يدرك طبيعة التصرفات التي مورست، سواء في صياغة القوانين، أو في انتخاب المجلس وفق القانون الذي صودق عليه من قبل أغلبية “البيجيدي”، التي كانت تبحث عن ما يوقف دور الصحافة والإعلام عن فضح تدبيرها السيئ للشأن العام طيلة ولايتها التشريعية .. ويكفي أن المنظمات التي لا يزال بعضها متحكما في هذا المجلس، تعرف خطورة أفعالها وما قامت به من سلوكات قبل أن يولد هذا المجلس القمعي والتحكمي لمهنيي الصحافة والإعلام، الذي لم يتلاءم نشاطه حتى مع التحولات في الثورة الرقمية والقانونية، التي حررت الصحافة والإعلام من سيطرة الإعلام التقليدي، الذي تديره “الباطرونا” في العالم، وحولت الممارسة المهنية إلى نشاط حر وديمقراطي وشعبي، كما يتضح من الدور الذي يقوم به الإعلام الرقمي بكافة أشكال التعبير عنه اليوم
لم تختلف المضامين التبريرية في المواقف المعارضة في استمرار الجدل والخلاف بين كافة الأطراف المهنية، بما آل إليه المشهد الصحفي والإعلامي الوطني، وقد تزايد الأمر خطورة مع الحكومة الجديدة الحالية التي لم تفتح الحوار الاجتماعي حول أزمة المشهد الصحفي والإعلامي من قبل وزيرها في الاتصال، الذي لجأ إلى الحلول البيروقراطية التي لا تساعد على تجاوز الأزمة، بل تساعد على تعقيدها .. خصوصا، في رفضه للحوار مع كافة المنظمات المعنية بإصلاح المشهد الصحفي والإعلامي الوطني، ويحاول عبثا فرض الحلول التي لم تتمكن الفرق البرلمانية من الاتفاق عليها وتقديم مقترحاتها لصياغة قانون جديد يمكن التوافق عليه والمصادقة عليه في البرلمان
إذن، أمر ومسار المجلس الوطني للصحافة يتطلب اليوم تعاملا عقلانيا و واقعيا مع طبيعة المشاكل التي يطرحها انتخابه والاختصاصات التي سيمارسها .. لذلك، فإن كل مضامين القراءات والرؤى التي يتداولها مهنيو الصحافة والإعلام تتطلب خلق الأجواء التي يمكن أن يكون فيها الحوار الاجتماعي الحقيقي حول منظومة القوانين، بما فيها قانون المجلس الوطني للصحافة، وتحقيق التراضي والتوافق حول ما يمكن أن يوقف مظاهر الأزمة، التي لا زالت تستفحل اليوم .. ونظن في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن المفاتيح يملكها وزير التواصل، إذا أحسن التصرف في الخطوات التي يمكن أن تساعد على وقف الأزمة في المشهد الصحفي والإعلامي الوطني